كود ///// تدخل بائعة الورد إلى البار وتخرج منه. في كل مرة تطل من الباب، ولا تجد أحدا، فتنسحب. المغني يغني لوحده، وعازف الأورغ يعزف لوحده، وليحارب الضجر، يفتح هاتفه الذكي ويتفرج في الصور، ويتفرج ويعزف. وعلى أريكة في ركن البار تجلس فتاة لوحدها تنتظر قدوم السكارى. الكل ينتظر. نحن أربعة وخامستنا بائعة الورد، ننتظر، ولا أحد يدخل. والمغني يغني للأشباح، وعازف الأورغ يعزف بملل ظاهر. إنه نفس البار، الذي لا تجد فيه عادة مكانا فارغا، خاو هذه اللية، إلا من النادل والموسيقى. وبين الفينة والأخرى تعود بائعة الورد، كأنها تستجدي الفتاة أن تبادر وتربط علاقة، كي تبيع وردة. ولو واحدة. ولا تفقد الأمل، وتنتظر أن يدخل الناس. تنتظر أن يدخل الشباب وتأتي البنات في هذه الليلة من شهر شعبان. لكن لا أحد. هذا البار الشهير في العاصة، والذي يكون عادة ضاجا بالبنات، والذي تأتي إليه بائعة الورد كل ليلة. وفي هذه الليلة خذلنها، احتراما منهن لشهر شعبان، بينما هي مصرة على أن تبيع وردها. إنهن الآن يدخن الشيشة، أو في مقهى، أو معتكفات، بينما تركنها وحيدة، تنظر إلى الطاولات الفارغة، وتدور دورتها المعتادة، ثم تنسحب، وتظهر من جديد. لم يفكرن فيها، ولم يفكر فيها السكارى، وتركوها وحدها، في هذا الفضاء الفارغ. والمغني يغني، وينتظر، دون جدوى. لقد مرت ساعة، ثم ساعتان، والآن نحن في منتصف الليل، ثم بعده منتصف الليل بساعة، وهي تخرج وتدخل، والمغني يغني، والفتاة التي كانت جالسة في الركن، فقدت الأمل، وانسحبت. وسلة الورد مازالت كما كانت، ولم تنقص منها وردة واحدة. ربما يسكر هنا أشباح، ويستمعون إلى الغناء، ويرقصون، لكنهم وعلى عكس الناس، لا يشترون الورد. المغني يغني لهم، ويتظاهر بالحماس، وعازف الأورغ يقلب في هاتفه الذكي. الكل خاسر هده الليلة، وربما في الليالي التي ستأتي. لا أحد ينفح المغني المال، ولا أحد يشرب كما يشرب عادة، بينما بائعة الورد مازالت مصرة، وتنتظر أن يدخلوا دفعة واحدة. في مثل هذه البارات الشعبية البنات متدينات، والمومسات يحترمن شهر شعبان، والسكارى يقل عددهن بالتدريج. لكن ما ذنب بائعة الورد. ولمن تبيعه. هذه المرأة التي تؤجج العلاقات وتسهل التواصل غاب عنها زبناؤها. وغابت عنها البنات اللواتي مازلن يمارسن مهنتهن في أمكنة خالية من الخمر. يمارسنها مع الشيشة في شهر شعبان وفي رمضان وطوال السنة. وفي وقت محدد من كل سنة يمارسنها خالية من الكحول. والمغني يغني والأشباح جالسون أو يرقصون وقبل أن أنسحب أنا الآخر طلبت منه أن يغني لي: يا ورد مين يشتريك وانصرفت وأنا أدندن هذه الأغنية وأفكر في بائعة الورد وفي هذا البلد العجيب نادما ومحتقرا نفسي لأني لم أشتر منها ولو وردة واحدة لرغبتي في أن يكون لأغنية عبد الوهاب أثر على دماغي وكي تبدو ذات معنى وأنا أرددها في الطريق يا ورد مين يشتريك في شهر شعبان وتخيلته ذابلا في الصباح عندما تستيقظ بائعته وتنظر إليه بألم ثم تذهب لتشتري وردا جديدا لتبيعه في نفس البار للأشباح أو لعاشق كريم ودائخ أو سكير متضامن قد يأتي أو لا يأتي.