مازح رئيس الحكومة عبد الإله بن كيران وزراءه في أحد المجالس الحكومية قائلا "هل تريدون أن أضعكم تحت التنصت". كانت تلك طريقته لإيصال رسالته الغاضبة لمن يعنيهم بحديثه من أنه لا يستحسن كثيرا تسريباتهم المتلاحقة للصحافة حول ما يتداول داخل المجالس الحكومية من قضايا. لم يشأ بن كيران التقاط الدهشة البادية على محيى الوزراء, ولكنه مضى في التأكيد أنه غير راض لأن "ما يناقش اليوم هنا نجده غدا في الصحافة ". الواقعة سربت هكذا عن مصدر في الأغلبية الحكومية لم يرقه كثيرا ما قاله رئيس الحكومة الذي أنهى حديثه الغاضب بسؤال رمى به في وجه الوزراء "لا تدعونا نلجأ إلى التنصت عليكم". في إشارة منه إلى أن المجالس بالأمانات, لولا أن ما يهم تدبير الشأن العام يعتبر حقا مشاعا. مزحة بن كيران التي لم يأخذها أحد من الحاضرين على محمل الجد مادام الرجل دأب على تصريف أقواله بتوابل المزاح الذي لا يفسد للود قضية, تعود لفترة مناقشة الحكومة لقانون محاربة العنف ضد النساء الذي تقدمت به بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية. وقتها تسربت أخبار من المجلس الحكومي تفيد بتحفظ وزير الدولة عبد الله باها على مجموعة من المواد والعقوبات الواردة فيه. مما أدى إلى تشكيل لجنة برئاسة بن كيران لتعديل النصوص المثيرة للجدل قبل إحالته على الحكومة للتصديق عليه. لكن تسريب تحفظ الوزير باها أغضب المنظمات النسائية المطالبة بتجريم العنف ضد النساء, خصوصا أن الصحافة أشارت وقتها إلى نزع بن كيران القانون من بين أيدي الوزيرة الحقاوي وهي قيادية في حزب العدالة والتنمية الحاكم ووضعه تحت إشرافه الشخصي بمعية الوزير باها. وهي اللجنة التي لم يكشف عن نتائجها حتى اليوم رغم مرور نحو ثلاثة أشهر على طرح المشروع. وفيما كانت الحقاوي تراهن على خطتها لتسجيل مكسب ضمن سجل مرورها عبر الوزارة, كان لرئيس الحكومة وعلبته السوداء رأي آخر. خصوصا أن القانون أتى بعقوبات غير مسبوقة اعتبر البعض أنها ستحدث فوضى داخل البيوت, سيما ما يتعلق بالعقوبات ضد الأزواج, حيث ينص القانون في بعض فصوله على طرد الزوج من البيت في حال ضرب زوجته أو عنفها. ولو قدر وطبق ذلك الفصل, لوجد الآلاف من الأزواج أنفسهم بدون مأوى في بلد تتجاوز فيه نسبة النساء المعنفات عتبة 60 في المائة. لكن القانون يذهب أبعد من ذلك, فهو ينص على «تجريم بعض الأفعال باعتبارها عنفا، مثل الامتناع عن إرجاع الزوجة المطرودة إلى بيت الزوجية، والإكراه على الزواج، والمساس بحرمة جسد المرأة، وتبديد أموال الأسرة بسوء نية». وإذا كان هذا الفصل هدفه حماية المرأة من تسلط الزوج, إلا أن الجناح الرافض له رأى أن الصراع على ممتلكات الأسرة سيفتح جبهات اقتتال داخلي, خصوصا أن عددا من النساء يفرغن جيوب أزواجهن العائدين ثملين من نهاية سمر ليلي في غفلة منهم. كما أن الفصل يمكن أن تساء قراءته على نحو رفض الزوجات مضاجعة أزواجهن تحت طائلة التحرش الجنسي. وبينما كان الجناح النسائي يرى في القانون بداية لوقف العنف ضد النساء, طلب الجناح المحافظ بإعادة قراءة الفصول الرادعة. وبين الحفاظ على الأعراف داخل البيوت واحترام القانون, وجد رئيس الحكومة نفسه وسط سجال عنيف أججته التسريبات الصحفية. والواقع أن بعض التسريبات أسقطت حكومات لقيمة المعلومة المتسربة والتي غالبا ما تكون محاطة بالسرية, لذلك ربما يميل بن كيران أكثر إلى السرية في بحث بعض القضايا الجدلية, وإن كان النقاش حول العنف ضد النساء لا يرتقي إلى تلك الدرجة من الخطورة على مصير الحكومة. قبل أن يسرب بن كيران على غرار بعض وزرائه, ما يعتبره نفيا لواقعة وضع الوزراء تحت طائلة التنصت, نسارع إلى القول أن الأمر يتعلق بمجرد رواية قد تتشابه فيها الأحداث والأشخاص والحبكة والمضمون, وليعذرنا رئيس الحكومة إن تم اختياره بطلا لهذه الرواية, فتشابه الأحداث مجرد صدفة, ومن الصدفة ما يؤثر في مسار الأحداث