منذ مدة وأنا أتابع ما يكتبه محمد عبد الوهاب رفيقي، وما يصرح به للصحافة. ومنذ مدة وأنا أشعر بالحرج تجاهه، لأننا تعلمنا في هذه المهنة أن ننتقد فقط، ونبحث عن الأخطاء، وننتظر السقطة، لنشحذ أقلامنا، ونأكل من الذبيحة. وقد كان علي أن أقول كلمة في حق هذا الرجل، وقد تأخرت كثيرا، وأعتذر لأبي حفص. وتبحث في ما يكتبه وما يقوله، ولا تعثر على كلمة جارحة، ولا شتيمة، وتتعب ولا تجد موقفا فيه تطرف، وتحاول الشك فيه فيغلبك. والأجمل أن رأيه رائج في الإعلام، ومتابعوه كثر. كلنا متشنجون، وأبو حفص عكسنا. كلنا نملك الحقيقة والأحكام الجاهزة، وعبد الوهاب رفيقي لا يمل من مفاجأتنا، وتقديم الدرس لنا بلا أستاذية ولا ادعاء علم، ولا إلحاح على لقب. وقد كان واجبا أن أعترف بدهشتي وعدم تصديقي، وأنا أتابع محمد عبد الوهاب رفيقي، وأنا أعرف ماضيه السلفي (الجهادي) والحكم الذي صدر في حقه، واعتقاله. نحن رافعو شعارات ورفيقي يعيشها يوميا. نحن مدعو حداثة وهو يعيشها دينيا. وصعب أن تكون خصما لأبي حفص، ومهما حاولت سيلطف من طباعك ومن حدتك وسيجعلك تحبه وتتفق معه. إلا إذا كنت إرهابيا، فلن يروقك أبو حفص. إلا إذا كنت سلفيا، فلن تروقك سلفيته واجتهاده ومراجعاته. إلا إذا كانت عدوانيا وكارها ومتزمتا، فلن تتفق مع محمد رفيقي. إنه أنقانا. وأعلم أن أبا حفص قارىء للأدب وللرواية خصوصا، وأقول عنه ما قال أدونيس عن أنسي الحاج. إنه الأنقى بين إخوانه، والأوضح. ولو كانت السلفية هي أبو حفص لما ترددت في أن أكون سلفيا. إنه الأنقى بيننا نحن أيضا، الذين نتحدث عن التسامح والحرية والمحبة والسلام، ونتوجس من رجال الدين. ونضعهم في كفة واحدة. وكم تمنيت أن لا يكون الشيخ محمد عبد الوهاب واحدا فقط. وكم تمنيته كثيرا ومتعددا. في حوار له مع يومية"آخر ساعة" دعا أبو حفص إلى إعادة قراءة الفقه الإسلامي كمدخل لحل مشكلة التطرف، وإلى الضرورة الملحة لإعادة النظر في الخطاب الديني الذي يروج في الفضائيات التي توصف بأنها معتدلة، وقال بالحرف إن" الأبواب المتعلقة بالقتال والجهاد في الفقه الإسلامي كانت لها سياقات معينة وظروف خاصة قد تناسب فقهاء ذلك الوقت، وقد تكون ملائمة للسياق الدولي والزماني والمكاني والسياسي والاجتماعي السائد حينها. وهو ليس حال اليوم. هذا لا يعني أنني أطعن في كل القواعد الفقهية الراجعة لتلك المرحلة، لكن بعضها باطل جملة وتفصيلا ومنها ما يجب أن يصحح، ومنها كذلك ما لا يتلاءم بأي حال من الأحوال مع مقاصد الدين وأصوله الكبرى. فالمشكل إذن يكمن في عملية إنزال هذه القواعد الفقهية على سياق آخر مختلف سياسيا واجتماعيا ودوليا، هذا الأمر هو الذي ينمي الإرهاب ويحتضنه ويحرض عليه". ولا يستطيع ليبرالي أو يساري أن يقول مثل هذا الكلام إلا واتهم بمعاداة الإسلام، لكن أبي حفص يقولها، ويؤكد أن البنية الفكرية مسؤولة عن "مرض الإسلام"، كما كتب ويكتب مثقفون ومفكرون محسوبون على الصف الحداثي والتنويري، وقد نالتهم بسبب ذلك اللعنة وحملات التكفير. جوهر الإسلام عند محمد عبد الوهاب رفيقي هو المحبة والسلام والتسامح. ويسميه الدين الخالص. وأعتقد أنه يقصد كل الأديان في جوهرها. لكنها تنحرف في فترة من فترات التاريخ، ثم تعود إلى أصلها إلى الله. لكنه ليس كثيرا أبو حفص للأسف وبين الملايين يوجد هذا الصوت. وبين علماء الدولة وفقهاء الإسلام السياسي هو نسيج وحده ولن يحارب التطرف والإرهاب إلا أهل البيت وأبناء الدار ولم نسمع نقدا من العدالة والتنمية ولم نر ندوة تنظمها حركة التوحيد والإصلاح ضد التطرف والإرهاب ولا نأمة ولا حركة ولا موقف واضح فقط حملات على الشيعة ونعرات طائفية ومذهبية وتبعية للقرضاوي ومديح لجيش الإسلام في الشام وعندما يتحدث أبو حفص لا يسمعه الجميع ويغطي إخوانه على صوته فتكاثر تكاثر يا شيخي ويا صديقي يا عالما من جيلنا يحب كرة القدم ويعشق الأدب والموسيقى والحياة وينشد المحبة والسلام ويكشف الداء لأنه عاش المرض وشفي منه ويعرف مكمنه أفضل منا جميعا فتكاثر تكاثر يا أبا حفص نريد في هذا البلد أكثر من واحد نريد عشرات ومئات منك إنك تفحمنا وتفحم الإسلام السياسي الذي لا يملك جرأتك وصدقك ونشعر بالخجل لأننا لم نصفق لك ولم نشكرك قبل الآن وشخصيا أعتذر لك. تكاثر تكاثر كي نتعلم منك معنى الدين الخالص يا رفيقي يا أخي.