في لقاء سابق جمعني مع «ويليام بورنس» بمقر وزارة الخارجية الأمريكيةبواشنطن، سألني المسؤول الأمريكي عن كيفية تمثل المغاربة للولايات المتحدة فقلت له سأجيبك بنكتة. قال لي بورنس: ما هي؟ أجبته بأن المغاربة نسجوا نكتة مفادها أن الجميع يتساءل لماذا لم يحدث أي انقلاب عسكري في الولاياتالمتحدة؟ فرد علي بورنس: وما هو الجواب عند المغاربة حسب هذه النكتة؟ قلت له: سبب عدم حدوث انقلاب عسكري بأمريكا بسيط، لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية ليست لها سفارة في واشنطن وليس لها سفير في العاصمة الفيدرالية للتخطيط للمؤامرات والدسائس. فانفجر ويليام بورنس ضاحكا هو و«كريستوفر روس» والمترجم الأمريكي الذي كان يرافقني في زيارتي للولايات المتحدة. اضطررت إلى إشراك قراء «الوطن الآن» في هذه الواقعة بالنظر إلى ارتفاع أصوات تمجد أمريكا منذ الإعلان عن الزيارة المرتقب أن يقوم بها الملك محمد السادس إلى واشنطن للتباحث مع أوباما يوم 22 نونبر 2013. وهي أصوات لم تستحضر التوجس الذي يطبع دوما علاقة المغاربة بالحكام الأمريكيين الذين لم يسبق لهم (أكانوا جمهوريين أو ديمقراطيين) أن تركوا بصمات تذكر، اللهم ما سجل من حسنات على يد هيلاري كلينتون، وهي استثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها. وإليكم الدليل. إذا استثنينا مساهمة المغرب العسكرية على المستوى الدولي في حالة الزايير عام 1960 وفي نازلة الحرب مع إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، نجد بأن الفترة الممتدة من استقلال المغرب إلى نهاية الثمانينات من القرن 20 كانت تتميز ببياض عسكري مغربي وبانكماش المغرب عن الحضور في البؤر الدولية عسكريا وذلك لعاملين أساسيين: العامل الأول يتجلى في الانقلابين العسكريين الفاشلين ضد المرحوم الحسن الثاني عام 1971 و1972 وما تلاهما من انشغال العقل العام للدولة في هيكلة الحقل العسكري وضبطه. أما العنصر الثاني فيتمحور في اندلاع حرب الصحراء بعد المسيرة الخضراء عام 1975 وانشغال المغرب بعد الاعتداءات على التراب الوطني من طرف الجزائر التي وظفت البوليزاريو، مما استدعى تكثيف المغرب لكل مجهوداته على الجبهة الجنوبية. لكن بعد التحكم الميداني للجيش الملكي في الصحراء عقب بناء الجدار الأمني واضطرار البوليزاريو والجزائر إلى قبول وقف إطلاق النار عام 1991، سيعود المغرب إلى ملء مقعده الدولي على الواجهة العسكرية بدءا بالصومال وانتهاء بهايتي مرورا بكوسوفو والكونغو والكوت ديفوار، دون أن ننسى حضوره في الكمبودج عام 1993، وهي العودة التي سرعها جو الانفتاح السياسي بالبلاد وبداية الغزل بين القصر والمعارضة لإنجاح التناوب عام .1992 لكن سيكون من السذاجة الاعتقاد أن جو الانفتاح هو الذي خلخل لوحده هذه الهندسة الجيوستراتيجية، على اعتبار أن المغرب في بداية الاستقلال وجد نفسه في مرمى الصراع الحاد بين المعسكر الغربي بقيادة أمريكا والمعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفياتي. لكن بعد انهيار جدار برلين وما تلا ذلك من انهيار الثنائية القطبية وجد المغرب نفسه في مرمى صراع من طينة أخرى يهم بالدرجة الأولى الانعطافات التي تعرفها قضية الصحراء. فالقطبية الثنائية التي كانت تضمن توازن العالم في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي زالت بحلول قطبية أحادية بزعامة أمريكا. والأممالمتحدة المفروض أن «ترعى» شؤون العالم تحولت إلى ملحقة لوزارة الخارجية الأمريكية. بدليل أنه ما من بؤرة توتر عالمية إلا وتكون فيها بصمات أمريكا واضحة إن بتدخلها المباشر دون الحاجة إلى توصية أممية أو بتغليف تدخلها ب «الشرعية الأممية». والمغرب حين يستجيب لطلب الأممالمتحدة بإرسال وحدات عسكرية، فالخلفية السياسية المتحكمة في القرار هي أن المغرب يعلن تأييده لمجلس الأمن الذي له صلاحية تشكيل الوحدات العسكرية في كل البؤر الساخنة. ودعم مجلس الأمن معناه أن المغرب يدعم موقف الدول العظمى. وبالتالي فإن المغرب ينتظر مقابل من هذه القوى لدعمه في قضية الصحراء. إلا أن الملاحظ أن أمريكا (التي تستأسد في مجلس الأمن) لم تبادل المغرب إلا باللؤم والخبث. ففي بداية الستينات من القرن الماضي نسفت أمريكا في عهد ايزنهاور، أحلام المغرب وأيدت الجزائر في مطلب الحدود الشرقية رغم ما قدمه المغرب من اصطفاف وراء المعسكر الغربي وذلك انتقاما من ازينهاور لمطالب الطبقة السياسية المغربية الداعية إلى إجلاء القواعد الأمريكية من المغرب. وفي القرن الحالي قدمت أمريكا في عهد أوباما مشروعا كيديا لمجلس الأمن ضد مصالح المغرب (قبل أن تسحبه عقب تدخل ملكي) رغم انخراط المغرب مع الولاياتالمتحدة في أوسع حرب ضد الارهاب وبدل أن تكافئه على ضبطه للحكامة الأمنية في شمال القارة الافريقية تبادر إدارة أوباما إلى طعن المغرب بشكل غادر. ألا يحق لكل مغربي، بعد هذا السرد، أن يكون دائم الحذر من أمريكا. فأمريكا ليست صانعة الدسائس والمؤامرات فحسب، وليست عدوة الشعوب فقط، بل هي أكبر مصنع عالمي في الخبث واللؤم حتى مع أقرب الحلفاء. وما قضية العميل «سنودن» الذي كشف فضيحة التجسس الأمريكي على رؤساء أوربيين سوى تأكيد لما نسجه الخيال الشعبي المغربي من نكت حول أمريكا. افتتاحية العدد 541 الخميس 21 نونبر 2013 تعيد نشرها "كود" باتفاق مسبق مع "الناشر