في ظرف دقيقة واحدة. في دقيقتين أو عشر دقائق. في لحظة. وفي أي مكان في العالم. في السويد. في سويسرا. في الدنمارك. في المغرب. في الهند. في أي مكان. يمكن أن تفاجئك القيامة. ويمكن أن ترى بأم عينيك صورة أولية لنهاية العالم. وقد رآها الإنسان هذه المرة في الفلبين. الإنسان هو هو في أي مكان في العالم. لا فرق. وفي لحظة يتحول إلى طبيعته الأولى. إلى وحش. يبحث عن أي طريقة ليحافظ على حياته. لا فرق بين أمريكي وسويسري وياباني وفلبيني حين يتعلق الأمر بغريزة البقاء. نتحول إلى وحوش تنهب وتسلب، ونقتل من أجل جرعة ماء. لا يمكن لأي أحد أن يقدم درسا في الأخلاق للفلبينيين ضحايا الإعصار. لا يمكن أن نقدم لهم النصائح وننهاهم عن السرقة. عندما يجوع الإنسان يتحول إلى وحش. إن كل ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية، وكل الاختراعات، كانت من أجل تنظيم القتل. وقد اخترعنا المال والمتاجر والتلفزيون والطائرات لنتستر على طبيعتنا. في رواية "الطريق" للأمريكي كورماك ماكارثي بعض من هذه الأجواء. حيث العثور على علبة نقانق أوسمك مصبر تعني الحفاظ على الإنسان فينا إلى حين فقط. حيث خوف الأب من اضطراره إلى إطعام ابنه لحما بشريا. حيث لا مكان للطعام ولا أثر للحياة والحضارة في أرض الله الواسعة. حيث الإنسان يتربص بشقيقه. حيث الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. حيث الرب ينظر من فوق إلى خلقه. حيث البشر ومهما بلغت درجة إيمانهم لا يفكرون في السماء. لاحظوا فظاعة الكوارث. لاحظوا علامات النهاية وبلاغة القيامة كما ينقلها مراسل الغارديان"في الطريق إلى تاكلوبان، ومباشرة بعد تابوت وحيد أبيض بقبضات مذهبة، يمتد ركام من الأجساد المنفوخة بالماء. رجال ونساء وقطط وكلاب وخنازير مكومين هنا، مقابل منزل حجري يعلوه سقف من المعدن مائل إلى الأعلى مثل علامة استفهام" لا فرق بين الكائنات حينما تحل القيامة، والناجون يهرولون ويبكون ويبحثون عن طوق نجاة. مهما كان الثمن. المهم أن ينقذوا أنفسهم. تقول الأم"لم يبق لنا أنا وابني إلا ثلاث قناني ماء، والناس شرعوا يهيمون في الشوارع، مقتحمين البيوت، لينهبوا ما يعثرون عليه". لقد حدث ما حدث في يومين لا أكثر. يومان من الجوع والدمار تكفي ليعود الإنسان إلى طبيعته الأولى. في المغرب أو الفلبين أو السودان أو النرويج أو أستراليا لا فرق بالمرة. لا علاقة للأمر بالحضارة أو التقدم. حتى في أمريكا المواطنون يسرقون وينهبون كلما حلت كارثة. لقد ذهب كل شيء. الأنترنت والفيسبوك والمولات والشاشات عالية الدقة والفن والسينما وعرض الأزياء. صار الإنسان كباقي الكائنات الأخرى يصارع من إجل البقاء. ولكي يبقى عليه أن ينهب ويقتل. لا فرق بين الفلبين ولا أي شعب آخر. الكل يعرف هذه الحقيقة لكننا نفضل الصمت. لم يجد الدين نفعا. لم يجد التقدم والكتب والفلسفة والأدب وحدها الطائرات التي تحلق في السماء وحدها قنينة بيرة أو علبة سمك مصبر أو قطعة حلوى أو علك تحت الركام تنقذ الإنسان من وحشيته. لا فرق أبدا لقد اخترعنا السياسة والدول والأبناك والمقاهي لننسى طبيعتنا وكي لا نقتل بعضنا البعض. إننا متنكرون وعندما تأتي الكوارث نظهر عراة وعلى حقيقتنا لا فرق بيننا بالمرة.