مرة أخرى، ربما ليست الأخيرة، تستهويني قضية الصحفي علي أنوزلا للكتابة عنها... ليس بالضرورة تضامنا، فذلك واجب مبدئي تم التعبير عنه مراراً، كون اعتقاله كان خطأ بليدا ناتج عن اضطراب في اتخاذ القرارات في جهة ما من هذه الدولة... وأن إطلاق سراحه الفوري بات ملحا أكثر من أي وقت مضى، بالنظر إلى حملة التضامن الداخلية أساسا ثم الخارجية، وبالنظر إلى الرسائل التي صدرت عنه من خلال بلاغه المؤرخ في 14 من هذا الشهر والذي تضمن مواقفه من الإرهاب، ومن معركة الديمقراطية والذي تضمن أيضا قراره بتوقيف موقع لكم الذي يعتبر ملكيته، وعدم احترام الصحفي بوبكر الجامعي لهذا القرار... الكتابة عنها غاوية لما تفجر من داخلها وحولها من مفاجآت ومواقف أدت إلى انقسام كبير وسط تلك الكتلة المعجونة بالصحافة والنضال، كل فئة مسكت بطرف من قميص علي يتجاذبونه بحب لكن بشدة إلى درجة إحداث الرتق بثوبه الهش من فعل المرض والإعياء والدهشة وربما المراجعات... الكتابة حولها أيضا ترغب في نفسها توضيح وبسط ما يقع أمام قارئ ألخم بتسارع الأحداث وبتجدر المواقف بين الثورية العالية والموالاة المتملقة دون الانتباه إلى الأسئلة البسيطة التي يطرحها العقل في مثل هذه المواقف...
لنصب قليلا من الزيت على هذه النار المستعرة، تكسيرا لجمود فكر لا يبرع سوى في التخوين، يملك حقيقته ضد حقائق الآخرين، وينصب نفسه وصيا على قضايا البلاد والعباد، في قراءة لواقع ينفلت عن القراءة الرصينة، وبأدوات لا تنتج سوى بدائل بئيسة، لعل الأشكال التي نبتت في محيطنا الذي عاش هزته الثورية قمينة بلفت انتباهنا لدروسها.... هذا طبعا إن كانت لنا ملكة الانتباه...
لنا وضع عنوانه "علي أنوزلا في السجن"، لنا ملف قضائي لم يطلع على محتواه سوى القليل المكون من هيئة دفاعه، والذي التزم، اي هذا القليل، بمبدأ السر المهني، وهذا من حقه ولو أن هذا الصمت، وبعض التسريبات من هنا وهناك، سربت للكثير من النفوس شكوكا لا يمكن اعتبارها إلا في محلها، ولنا لجنة دعم، مكونة من دفاعه وكثير ممن لا يمكن الشك في نيتهم الصادقة في إخراج علي من ورطته، وهي بالمناسبة ورطته وورطتنا لا ورطة الدولة والنظام كما يعتقد البعض... ولنا مسار مواز مفتوح بالسرية التي ارتضاها لنفسه، عنوانها محامي علي أنوزلا الذي رافقه في كل قضاياه، الأستاذ حسن السملالي، رفقة القريب « le proche » الذي تحدث عنه بوبكر الجامعي في بيانه الذي لم يشرح كل شيء... ولنا مباركة علي أنوزلا، بإرادته الحرة أو تحت الضغط، لهذا المسار، وهي وحدها كافية لاحترام هذا المسار.... لنا أيضا تصريحات بوبكر الجامعي، كونه هو أولا من نشر الفيديو، وليس رابط المؤدي إلى الفيديو فقط، وأنه مستعد للمثول أمام القضاء في حالة ما تم استدعاءه إلى ذلك... لنا ايضا تصريح ممثلة كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية حول الملف ولنا قُفة من المواقف الأروبية المتأرجحة بين الرسمي والشخصي نتيجة الضغط الخارجي لحملة الحرية لعلي أنوزلا...
في المقابل لنا دولة، نظام مستبد إن شئنا، يؤلف حساباته بشكل منفرد وبغطرسة، ينحني أمام الضغوطات الخارجية، لكنه يفعل ذلك أيضا في مواجهة الحراكات الداخلية المؤسسة ( وهو ما لم يتحقق في قضية علي أنوزلا، وتحقق سابقا في قضية كالفان مثلا)، بارع في تأليف الناس حوله، ويتقن طرق الخروج من الورطات.... في قضية علي أنوزلا بالضبط، ورغم كل فيديوهات اليوتوب التي وزعت، والبيانات الثقيلة التي دبجت،أعتقد أن الدولة لا زالت تمسك بخيوط اللعبة، وأن الفعل السياسي المبني على التصعيد وحده لن يؤتي أكله في الإفراج عن علي أنوزلا، وربما ستلتقي بعض النيات في الإبقاء عليه داخل السجن: نية الدولة في معاقبته، ونية بعض الثورجيين الجدد في جعله بطلا وشهيدا لقضاياهم...
داخل كل هذا، وإيمانا بما قدمه هذا الشعب الطيب من تضحيات تجلت في شهداء ومعتقلين، ثوارا حقيقيون حملوا الكثير من الحلم والأمل منذ سنوات، ولم ينبثوا فجأة كالفطر، أعتقد أن القليل من العقل مستوطن في بناء هذه الدولة التي لم تكتمل دمقرطتها بعد، وأن إعتقال علي الخاطئ يمكن أن يصحح بالكثير من الحكمة والترو... دون هضم حقها في ممارسة انسجامها مع ذاتها ومع القانون... ذات الانسجام الذي يحتم عليها مثلا اعتقال بوبكر الجامعي لنفس التهم التي اعتقلت بها علي أنوزلا والبحث والتحقيق معه في دواعي ذلك... على الأقل سنطمئن إلى أننا لسنا في دولة تضطهد الصحراويين، على اعتبار أن الجامعي كرر على مسامع النائبتين البرلمانيتين كون علي أنوزلا اعتقل لأنه صحراوي، كما سنطمئن أن شهرة أحدهم لن تجعله فوق القانون، على اعتبار أنه صرح بأن الدولة لا يمكن أن تعتقله لأن له شبكة كبيرة من العلاقات ومشهور بالمقارنة مع علي أنوزلا...
إلى ذلك الحين سنؤسس لجنة التضامن معه، وسننظم الوقفات، وندين الإعتقال العبثي للصحافيين وللمناضلين، وسنطالب اساسا بتوفير شروط المحاكمة العادلة، وفق قانون الصحافة لا الإرهاب... هي لبنة أخرى في بناء هذه الدولة... دولتنا بعلاتها، أحببنا أم كرهنا...