مرت أكثر من ثلاثة أشهر على المفاوضات من أجل ترقيع الحكومة، لكن الى حدود اليوم وافتتاح الدورة التشريعية على الأبواب ، لم يتم بعد الإعلان عن الحكومة الجديدة، في سابقة من نوعها في مفاوضات تشكيل الحكومات بالمملكة الشريفة. لم يقتنع الرأي العام المغربي بقرار انسحاب حميد شباط من الحكومة، وأجمع أغلب المحللون على انه انتحار سياسي لحزب الاستقلال، الذي بنى قوته الانتخابية على الريع السياسي، من خلال استخدام المشاركة الحكومية في تعزيز ارتباطه بجماعات الأعيان وأصحاب المصالح المالية، الذين يشكلون القوة الضاربة للحزب.
سلوك شباط الغريب ناتج لا محالة عن ضغوطات خفية تمارسها الدولة العميقة من اجل عرقلة تجربة أول حكومة مغربية، ترأسها حزب سياسي بتصويت شعبي، رغم كل المؤاخذات التي يمكن تسجيلها على نمط الاقتراع والدستور.
أصل الحكاية بدأت مع الدستور الجديد، والذي أعطى القليل من الصلاحيات التنفيذية لرئيس الحكومة، لكن قوى من داخل دائرة القرب الملكي، ترى في هذا الدستور تجاوزا لسلطاتها وضربا لمصالحها التي تحميها بالسلطوية المباشرة، مما دفعها إلى شن حرب مفتوحة على حكومة بنكيران عبر توظيف جميع الأدوات السياسية الغير المشروعة، من خلال استخدام أحزاب سياسية كانت الى وقت قريب تحسب على الصف الوطني الديمقراطي، هنا نقصد طريقة تفويض القرار لكل من حميد شباط على رأس حزب الاستقلال وإدريس لشكر لقيادة الاتحاد الاشتراكي، فبشهادة قادة من الحزبين عملية وصول الزعيمين كانت بتدخل من الداخلية وأدوات التحكم السياسي.
يلاحظ من مضمون الخطاب البئيس وشكل المعارضة التي يمارسها هؤلاء، والتي تعتمد أساسا على منطق عرقلة كل خطوة إصلاحية وتعميق دائرة السلطوية، جعل من المغاربة يعيشون عهد أسوء معارضة في تاريخ الحكومات المغربية.
اللغة الساقطة التي يستعملها شباط في هجماته المستفزة والغير الأخلاقية على بنكيران، تجعل من المتتبع للحياة السياسية يستنتج ان الجهات الغاضبة من بقاء حكومة بنكيران بدأت تفقد أعصابها وتدفع بكل الوسائل المتاحة لإسقاطه، حتى لو تطلب الأمر تنظيم مسيرة بالحمير وسط العاصمة الرباط، في تشويه سافر للبلد وتمييع فج للحياة الحزبية وضرب صارخ لكل أخلاقيات الممارسة السياسية.
الأمر لم يقف عند مسيرة بالحمير، فالزعيم المحنك ادريس لشكر دعا أيضا لتنظيم تجمع في ملعب الأمير مولاي عبد الله، في سابقة سياسية يعيشها حزب القوات الشعبية، الذي كان في أوج استقلالية قراره السياسي يخرج الآلاف من المغاربة إلى الشوارع للاحتجاج، مكتفيا ببلاغ يصدره الحزب.
لهذا يبقى تنظيم يوم احتجاجي في ملعب رياضي من طرف حزب يساري، له تاريخ في احتلال الشارع من اجل التعبير عن مواقفه، يثير الكثير من علامات الاستفهام. يبقى من المرجح أن نفس الحافلات التي استقدمت أنصار شباط من العراة وجمهور الكرة، هي نفسها من ستقل أنصار لشكر إلى ملعب الأمير مولاي عبد الله، لممارسة رياضة شتم رئيس الحكومة ووصفه بأقدح النعوت، لكي تستمر مهزلة معارضة مفبركة فاقدة لكل المصداقية لدى عموم المغاربة، فرغم كل قرارات بنكيران اللاشعبية على مستوى الزيادات في الأسعار والتطبيع مع الفساد، لكن تبقى نظافة يد قيادة البجيدي سلاحهم الوحيد لمواجهة كل هذا البؤس السياسي.
نستخلص من هذا العبث السياسي، أن قرار تشكيل الحكومة الجديدة ليس بيد بنكيران، بل هو في يد جهات قوية داخل الدولة العميقة، لا تريد لهذه الحكومة ان تستمر ومستعدة للذهاب بعيدا من أجل الإطاحة برأس بنكيران، حتى لو تطلب الأمر تعديل الدستور الذي رغم كل علله كتّف بعض الأيادي التي كانت توجه وتتدخل بشكل مباشر في قرارات الوزراء وفي التعيينات في الإدارة، التي أصبحت اليوم في عهد بنكيران مفتوحة عبر مباريات يشارك فيها أصحاب الأهلية وليسو فقط المقربين من الأفراد والعائلات المتحكمة في العمل السياسي والثروة بالمملكة الشريفة.
أنصار السلطوية الجديدة في المغرب شجعهم على هذه المناورات نكسة مصر بعد الانقلاب العسكري، وها هم يدفعون بالمملكة إلى المجهول عبر عرقلة استمرار الحكومة، غير مستحضرين أن الجيش المصري بكل قوته وتاريخه الاستبدادي ورغم كل الدعم الوفير من دول الخليج العربي، لم يستطيع إلى اليوم الخروج من الأزمة السياسية في أرض الكنانة، والتي نتج عنها شلل تام للحياة الاقتصادية بمصر.