في المملكة الشريفة وحدها، تجد أقلاما صحفية تمارس الوصاية على الجميع، فحتى النضال من أجل حرية صحافي معتقل، أصبح يثير حنق البعض، فانتشرت هاته الأيام كتائب توزيع الأوسمة المهنية والنضالية. لجأت بعض الأقلام في سابقة غريبة، إلى توزيع صكوك الغفران على المناضلين والسياسيين والحقوقيين، فهذا يحق له أن يناضل وهذا لا يجب عليه ذلك، بدوافع عجيبة وغريبة من نسج خيال البعض.
هكذا يصبح من يشرف على جريدة صفراء، تسدي الخدمات اليومية للوبيات الفساد والاستبداد، يقدم الدروس في الحرية والمهنية وفي الممارسة الصحفية السليمة وفي أخلاقيات المهنة، دون حياء.
المملكة مليئة بالجرائد والمواقع الإخبارية التي تحترف التعريض بالحياة الخاصة للمعارضين والصحفيين، لكن لم نسمع يوما من هذه الأصوات البئيسة، حديثا عن تجاوزات هؤلاء وضربهم السافر للمهنية وأخلاقيات ممارسة العمل الصحفي.
لكن عندما تخرج أصوات صحفية لها موقف سياسي معارض للنظام، تفتح محاكم التفتيش أبوابها وتنصب مشانقها لهم، بدعوى أنهم ليسوا صحفيين بل فقط معارضين للنظام، مبررين طرحهم هذا بأن هناك خلطا ما بين الصحافة والنضال في ممارستهم للمهنة.
لكن عندما يخلط غالبية الصحفيين، ما بين المهنة والدفاع عن السياسات الرسمية، لا يتكلم هؤلاء عن غياب المهنية وهيمنة صوت الحزب الوحيد على الإعلام العمومي والخاص.
أن تكون صحفيا مستقلا بالمغرب، حسب بعض المنجمين الجدد، هو أن تكون مستقلا عن المعارضة السياسية، وان تبدع في تلفيق الأخبار لقوى الإسلام السياسي، وان تخرق سرية التحقيق في ملفات المتابعين بتهم الإرهاب وان لا تغطي مسيرات 20 فبراير بمهنية، وان تكتب في جريدتك مثلا :"حزب التجمع الوطني للأحرار المعارض"، باختصار شديد هم يريدونك أن تكون مستقلا عن ضميرك المهني وأن تشتغل وفق أجندة رسمية شعارها الكبير "استحمار أمة".
من حق الجميع أن يعبر عن آرائه بكل حرية، ومن حق الصحفي أن ينتصر لقيم حقوق الإنسان الكونية وللقيم الديموقراطية، بل من حقه أن يدعم تيارا سياسا ضد تيار آخر، فكبريات الصحف الأمريكية شاركت في الحملة الرئاسية للرئيس باراك أوباما، فهل بأمريكا الصحافة غير مهنية؟.
حرية الرأي والتعبير يا سادة في بلد لازال يخضع لسلطة الفرد الواحد، هي أم المعارك السياسية ، فبعودتنا لتاريخ المملكة الحديث، سنقف على نضال مرير قادته الأحزاب السياسية المعارضة، من أجل مكتسب هامش حرية التعبير، الذي نعيشه الآن في المملكة.
أن تكون عدميا فهذا حقك، لكن ليس من الأخلاق في شيء، أن تسفه مجهودات القوى المناضلة بالبلد، التي تدافع وبكل قوة من اجل حرية زميل لك معتقل ومتابع بقانون محاربة الإرهاب.
للحرية ثمن في كل التجارب السياسية التي عاشتها الشعوب، وثمن الحرية في
بلد استبدادي فاتورته معروفة مسبقا والتي إن لم تكن سجنا ستدفع جوعا.
من حقك أن تكون مخزنيا وملكيا أكثر من الملك وعدوا للنضال والمناضلين، لكن ليس من حقك إصدار أحكام القيمة وممارسة الوصاية على الآخرين وتوزيع صكوك النضال، لأن قضية اعتقال أنوزلا، ليست قضية مرتبطة باعتقال صحفي، بل هي قضية انقلاب سياسي كامل المعالم على الهامش الديمقراطي، الذي حققه المغاربة وأدوا ثمنه غاليا، استوجب تأسيس لجنة للإنصاف والمصالحة، من أجل جبر ضرر الضحايا، الذين تتسع أعدادهم كل يوم، مادمنا في دولة مستبدة، لازالت تحتقر الشعب وتعتبر المغاربة مجرد عبيد ورعايا.