"اكثر الشعوب تحريما لشيء ما ،هي اكثر الشعوب هوسا به" ميشال فوكو. مقطع من دقيقة ونصف ،كان كافيا لكي يجعل فلم "الزين لي فيك" اشهر من نار على علم ، وان يكثر حوله اللغط والهياط والمياط،وتسيل بسببه بحار من مداد "النقد" والسب والشتم والإستحسان والإشادة. دقيقة ونصف ، جعلت حماة الأخلاق يشهرون سيوف الفضيلة في وجه الفلم، وحولت شعبا كاملا الى جيش من النقاد السينمائيين ،الذين لايأتيهم الباطل من بين ايديهم ولا من خلفهم، نقاد ينتقدون شيئا لم يروه بعد ،ويرجمون بالغيب ،وكأن الحُجب قد رفعت عنهم. توجد في علم النفس السلوكي قاعدة تقول ،اذا اردت استعداء احدهم فقم بإنتقاده بشكل مستمر ،وذكره بعيوبه التي يكره، انذاك ستضمن كرهه لك ،وبشكل ابدي. هذا بالضبط ماقم به نبيل عيوش من خلال فلمه "الزين لي فيك" وقبله فلم"علي زوا"، لكنه هاته المرة ،قد مس موضوعا يدخل في باب المحرم والمسكوت عنه، الجنس والدعارة ،وتفشي السياحة الجنسية داخل مجتمع يعاني من سكيزوفرينا حادة،تجعل ظاهره ورعا وثقيا ،اما باطنه فتمور فيه البلايا وكل انواع الفسق والفجور. إن المجتمع الذي تربى على تقديس الأوهام ،واليقينيات التي تمجد الأنا الجمعية وتضخ فيها دماء العظمة الزائفة،سيكون رد فعله عنيفا ولاوعيا ،على أي محاولة ابداعية من شأنها زعزعة مُسلماته وصورته النرجسية وعظمته المزعومة. فما أقسى أن تكون مُفعما بالنقد والتفكير والإبداع والتحديق والمواجهة ، وأنت واقع تحت قائمةٍ لا تُحصى من المحرّمات والتحريمات الثقافية . وواقعٌ تحت بنود التأثيم والحجر العقدي والكوابح التقليدانية. فلم "الزين لي فيك" ، أثار حنق وغضب الملايين ، ليس لأنه فلم رديء سينمائيا ،بل لكونه مس بثقافة المحرمات والمنع ،ثقافة تمجد الطابو،وتجعله سلاحا يقيها شر الإنتقاد والخلخلة ،فليس كل شيء في عرفها ،قابل للنقاش والمساءلة،ثقافة تشهر سيف المحرم والمقدس في وجه كل من سولت له نفسه ،بالخروج عن السرب ومحاولة القفز فوق حائط المعتاد والتابث. إن ردة الفعل تجاه نبيل عيوش وفلمه، والذي اشاد به جمهور النقاد والمتخصصين المشاركين في مهرجان "كان" الفرنسي ، ليس الا صرخة ألم ،ورغبة في اسكات كل الأصوات التي تذكر هذا الوطن بعيوبه و واقاعه البائس. نبيل عيوش ليس الا مرآة عكست واقعكم المأزوم،فعوض ان تصرخوا في وجهه، اصرخوا في وجوه بعضكم البعض..وازعقوا في جه واقعكم..