عندما تواجه أية عائلة أزمة من الأزمات أول شيء يقوم به أفرادها هو التلاحم والتضامن. لكن يبدو أن هذا المبدأ لا يدخل ضمن قناعات الأمير مولاي هشام الذي استغل "الطرانزيت" الذي قام به في باريس بانتظار استكمال رحلة العودة إلى موطنه الأمريكي منذ 2002، لكي يعطي حوارا لموقع ألماني أعاد فيه التذكير بنبوءته "الكامونية" التي يتخيل فيها أن سنة 2018 ستكون سنة الثورة التي ستتحول فيها "الخطوط الجوية الملكية" إلى "الخطوط الجوية" بدون الملكية، وأيضا ستكون، وهذا هو الأهم، السنة التي ستحل فيها جميع مشاكله الأمير العقارية بالمغرب. وفي جناحه "الملكي" بالفندق الباريسي الذي "نزل" فيه الأمير لمتابعة تطورات الأزمة التي تسبب فيها العفو الخاطئ، استقبل صحافي الموقع الألماني الذي استخلص أن العفو تسبب في تشويه صورة الملك في الوقت الذي يناضل الأمير من أجل تحقيق المزيد من الديمقراطية في المملكة. وحسب ما قاله ابن العم "الأمريكي" للموقع فهو يطمح إلى أن يصبح للشعب اعتبار. لو أن الأمير كان غير مدين لصندوق الضمان الاجتماعي بمئات الملايين التي ليست سوى انخراط عمال ضيعته لكان لكلامه معنى، لكن "الاعتبار" الذي يتحدث عنه الأمير يصبح مجرد مزايدة فارغة لأن "الاعتبار" الحقيقي للشعب هو دفع أقساط تقاعد أبناء هذا الشعب الذين قبلوا بالاشتغال لمصلحة الأمير. وطبعا لا نتحدث هنا عن كل الذين "يشتغلون" لمصلحة الأمير داخل وخارج المغرب مقابل "تعويضات" من أجل ترويج حوارات متخيلة بين الملك ومستشاريه وتقديمها على أساس أنها أخبار لا يرقى إليها الشك، فهؤلاء يحتفظ الأمير بشيكات موقعة على سبيل الضمانة بأسمائهم في دولاب مكتبه. وعوض أن يستغل الأمير مولاي هشام الحوار مع الموقع الألماني، بحكم التضامن العائلي والانتماء إلى الأسرة الملكية، لكي يشرح للرأي العام الأماني ومنه الدولي، بالنظر إلى أن الموقع الألماني لديه تأثير على المستوى الأوربي، كيف أدار ابن عمه الملك هذه الأزمة التي أخذت أبعادا غير مسبوقة وخرج منها ومعه المؤسسة الملكية بسلام، فضل مولاي هشام أن يعيد التذكير بمسار حياته داخل القصر وكيف عاش إلى جانب ابن عمه الأمير وكيف فشل في إقناعه بتطبيق الإصلاحات وكيف انتهى إلى قرار الهجرة إلى أمريكا، وهو القرار الذي يقول عنه أنه يهنئ نفسه يوميا على اتخاذه. هذا دون أن ينسى الإشارة إلى أن لقبه الحقيقي ليس هو "الأمير الأحمر"، لأن هذا اللقب يطلقه عليه الصحافيون الكسالى، فلقبه الحقيقي هو مولاي هشام، ولقب مولاي يحيل على أصوله الشريفة التي تعود إلى الأسرة العلوية التي تحكم المغرب منذ 1664. أي أن الأمير يمتلك الشرعية الدينية، أما الشرعية الأيديولوجية فيمكن أن تتغير، وإذا كانت بالأمس حمراء فيمكن غدا أن تصبح خضراء، أو صفراء في لون المصباح. لكن بيت القصيد في هذا المقال الحواري، الذي يبدو من أسلوبه أنه من تحرير الأمير نفسه، هو المشروع العقاري الضخم الذي كان ينوي تشييده في أم عزة تحت اسم "المدينة الإيكولوجية" الأكبر والأول على الصعيد الإفريقي. فالأمير يوجد على رأس شركة عالمية للطاقات المتجددة ويستثمر ثروته في مشاريع إيكولوجية في العالم نظرا للمساعدات المادية الدولية التي تعطى لمثل هذه المشاريع. هذا المشروع يعتبر الغصة التي تغذي كل نوازع الأمير السلبية نحو ابن عمه الملك. فالأمير يتهم الدولة بقرصنة فكرته ونقلها في بنكيرير، منطقة الهمة مستشار الملك، إلى جانب تشييد جامعة متعددة الاختصاصات للمتفوقين، يوجد من بين المشتغلين عليها الباحث الطوزي الذي شارك في كتابة الدستور الذي يتهم الأمير أرقام الاستفتاء عليه بعدم المصداقية. ولذلك فهو يتخيل أن "ثورة الكامون" التي يتوقع حدوثها في سنة 2018 ستعيد إليه مشروعه، إلى جانب حل جميع مشاكله مشاريعه العقارية العالقة بسبب النزاعات القضائية. غير أن الأمير مصاب بالإحباط من حركة عشرين فبراير. فحسب ما قاله في الحوار مع الموقع الألماني فاحتجاجات الحركة خبت والحركة عليها أن تقدم بنيات وأرقام وأهداف واضحة، والحكومة فقدت الأغلبية في البرلمان، وبنكيران لا يريد إثارة غضب الملك ولا قدرة له على الدخول في صراع مع المؤسسة الملكية، لكنه يتوقع أن لا يشرب بنكيران كأس المهانة. فالأمير رسم للملك صورة رئيس الدولة الذي يكره الإسلاميين ولا يمكنه التعايش معهم ولا منحهم المزيد من الصلاحيات. وحسب الأمير فوحده الملك يبدو مستقرا فوق عرشه أكثر من أي وقت مضى، ولا أثر لثورة "الكامون". كما لو أن هذا الاستقرار يزعج الأمير ويؤجل أحلامه. قبل أن يختم المقال بجملة تلخص هذه الأحلام، عندما يقول أن لا أحد كان يتوقع أن بنعلي ومبارك سيسقطان. ولذلك فخرجة الأمير مولاي هشام في الموقع الألماني يوما بعد سحب الملك للعفو واعتقال الوحش الإسباني واستقباله لأسر الضحايا والشروع في معاقبة المسؤولين عن هذا الخطأ الفادح، تحمل في طياتها رائحة الشماتة. فقد كان ينتظر، من شرفة جناحه "الملكي" بالفندق الباريسي، أن يكون الغضب الشعبي الذي تسبب فيه العفو الخاطئ الشرارة التي ستوقد لهيب "ثورة الكامون". غير أن الاتجاه الإيجابي الذي أخذته الأمور بعد سحب العفو واعتقال الوحش جعل الأمير يبدو كما لو أنه يطلق عيارا فارغا في الظلام. وهذا ما يفسر توجهه نحو موقع ألماني، لأن "المواقع" الفرنسية لم تر مصلحة في مجاراته في حربه على ابن عمه الملك، لأنها رأت كيف فشلت "الحملة" الإعلامية الأخيرة في إشعال فتيل الشارع المغربي. وعندما يكرر مولاي هشام قصة قرصنة "المدينة الإيكولوجية" وتحويلها نحو بنكيرير، ويكشف مراسلته للملك في شأن "مدينته"، فهو يوجه اتهاما مضمرا لمستشار الملك ابن المنطقة، والذي تلتقي مصلحة الأمير هذه الأيام مع مصلحة حركة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية في مهاجمته مباشرة وتحميله مسؤولية العفو الخاطئ وبالتالي المطالبة برحيله. ولعل بنكيران لازال يتذكر أن هذا بالضبط هو الشعار الذي كان يطالب به أياما قليلة قبل أن يصبح رئيسا للحكومة عندما كان يطالب الهمة بحل حزب الأصالة والمعاصرة والاعتذار للمغاربة، قبل أن "يبرد" له رأسه ويبرر تراجعه عن هذا الشعار بكونه أرجع العداد مع المستشار الهمة إلى نقطة الصفر وتجاوز خلافات الماضي. اليوم يبدو أن العداد عاد إلى الوراء، خصوصا عندما التقت "أحلام" الأمير مولاي هشام بالثورة الموعودة مع تطلعات رئيس الحكومة للبقاء في الحكم للعشرين سنة المقبلة. فيبدو أن الأمير يرمن بما قالته فيرجينيا وولف حول الأحلام "الحياة حلم واليقظة هي ما يقتلنا". ولذلك فهو لا يريد أن يستيقظ من حلمه اللذيذ. هكذا وجد الرجلان نفسهما أمام خصمهما القديم معتقدين أن الظروف نضجت بما فيه الكفاية لتحميله وزر عرقلة تحقيق أحلامهما وتطلعاتهما. وبما أن الأمير وجوقته، وبنكيران وحوارييه ليست لديهم الجرأة لمواجهة خصومهم بأسمائهم، فإنهم يلجؤون إلى الحروب بالوكالة. خصوصا وأن حكاية الربيع الذي لازال يتجول ويمكن أن "ترشق" له ويعود بدأت تدغدغ خيال رئيس الحكومة وهو يرى جمرة الاحتجاج التي غطاها الرماد تتوهج من جديد. وهكذا ظهر في أسبوع واحد من طالب برأس الهمة، وظهر من طالب بإصلاح المؤسسة الملكية برمتها وتحديد مهام المستشارين الملكيين بدقة وضبط مجالات تدخلهم، وظهر من طالب بتجريد الملك من صلاحياته معتقدين أن الملك بما أنه تراجع عن العفو فيمكنه أن يتراجع عن أشياء أخرى إذا ما استمر الضغط عليه في الشارع. والواقع أن هذه المطالب يمكن أن تكون مقبولة في إطار النقاش الذي يجب أن يسود في بلاد ديمقراطية يسودها التعدد في الرأي، وليس في الزوجات فقط كما هو حال بعض الإخوان. غير أن الاحتماء وراء ظهر أحد عشر طفلة من أجل تسديد الضربات تحت الحزام ليس أمرا مشرفا ولا باعثا على الاحترام. فالشجاعة السياسية تقتضي اتخاذ المواقف والتعبير عنها دونما حاجة للركوب على قضايا إنسانية. لأن هذا السلوك يعكس انتهازية واضحة وجبنا سياسيا وانحدارا أخلاقيا غير مقبول من طرف من يقدمون أنفسهم كسياسيين منقذين لديهم الحلول السحرية لإخراج المغاربة، عن طريق سحقهم مثلما يسحق الكامون، من العبودية إلى الحرية. وفي هذه المعركة الخاسرة التي أديرت من باريس ومدريد حيث يمتلك الأمير "موقعا" يتكلف بترجمة مقالات الصحافي الإسباني "سمبريرو"، المتخصص في الشأن المغربي بالمراسلة، كان الهدف منها تحويل الاحتجاج الشعبي العفوي ضد التساهل مع مغتصبي الأطفال إلى احتجاج موجه ضد الملك وحاشيته. ويأتي هذا الهجوم في وقت تعرف فيه المفاوضات من أجل إنقاذ الحكومة بطئا كبيرا، وربما تنتهي إلى الفشل. ولذلك فكل وسائل الضغط متاحة أمام بنكيران للخروج من هذه الورطة بأقل الكوارث الممكنة. حتى ولو كان ذلك على حساب صورة الملكية واستقرار البلد. إن ما يحز في النفس هو أن المتصارعين حول السلطة يستعملون مآسي الشعب كمطية لتحقيق أهدافهم. وما يحز في النفس أكثر هو أن هذه الأهداف تكون في الغالب شخصية بعيدة كل البعد عن هموم الشعب ومطالبه. فمنتهى ما يحلم به هؤلاء هو رخصة بناء مدينة أو الموافقة على منح قرض بنكي أو التكرم بكرسي في رئاسة الحكومة. وقبل أن يتابع الأمير طيرانه إلى كاليفورنيا حيث مقر إقامته، بعد قضائه لفترة "طرانزيت" بباريس، سيكون ملف العفو الخاطئ قد طوي بعد استقبال الملك لعائلات الضحايا، المعنيين الأساسيين بالمأساة التي حدثت. لكن، وبما أن الهدف الأول والأخير لابن العم "الأمريكي"، كما سماه الصحافي الألماني، هو خلق أكثر ما يمكن من المتاعب لابن عمه الملك للحصول على التراخيص والقروض البنكية التي يحتاجها لاستثماراته في المغرب، فإن الأمير لن يعدم قضايا تصلح للركوب عليها في هذه الأزمنة المتلاطمة الأمواج والمصالح. وكما قال "فرانسيس باكون" في إحدى إشراقاته "من يكرس حياته للانتقام يحافظ على جراحه طرية دائما". ويعلم الله كم أن جراح الأمير كثيرة وعميقة. لكن الجواب الحقيقي على هذه الحرب، كما يقول الحكيم "كونفوشيوس" هو "رد على الشر بالثقة في النفس، أو بالخير". تنشر "كود" هذا العمود باتفاق مع الكاتب