"وطني كفر بالحرية، وارتد عن الإنسانية، وطني كفر بأحلامنا وشنق أماننا، وطني كفر بي"، هذه الكلمات القوية خطتها أنامل طفلة بيضاوية، جاءت رفقة والدها لتشجب وتستنكر فضيحة العفو الملكي عن دانيال مغتصب الأطفال، في وقفة ليلة "الكرامة الوطنية المغربية" بساحة لحمام بالدار البيضاء. حضرت في هذه الليلة التاريخية، الشموع والورود، حملها الأطفال والنساء والرجال والشباب، وزينتها كلمات قوية خطها مواطنون مغاربة للتعبير بدون تحفظ عن غضبهم وسخطهم ورفضهم لأي مس بكرامة أطفالهم، بوعي وطني غير مسبوق. هزت أمسية الكرامة كلمات رددتها حناجر شباب عاشق للحرية ولوطنه، مما أدخل المغاربة في هذه الليلة وبدون مبالغة، لمصاف الشعوب الحرة والمستعدة لتقديم دمائها من أجل العيش بالكرامة. فرغم كل القمع الوحشي والدموي الذي واجه المحتجين السلميين بالرباط وطنجة وتطوان، ورغم حملة البروبغاندا الرسمية ضد وقفة "الكرامة الوطنية" بالبيضاء، ورغم مواجهتها بتعتيم إعلامي شرس في التلفاز والراديو ووكالة الأنباء الرسمية، لم يخلف المغاربة مرة أخرى الموعد مع التاريخ، وحضروا الوقفة وعيونهم كلها أمل بغد يشرق للحرية والكرامة والعدالة واحترام الإنسان وتقديس حقوقه. عندما تتجول ما بين الورد الذي فتح في ساحة لحمام بالبيضاء، في لحظة صحوة ضمير أمة متطلعة للكرامة والعزة الوطنية، تصادف البورجوازي(ة) والعاطل(ة) والطالب(ة) والتلميذ(ة) والمحامي(ة) والطيب(ة) والشاعر(ة) والقاص(ة) والصحافي(ة) وربة البيت، والمهندس (ة)والمؤرخ(ة) والانتربولوجي(ة) والسينمائي (ة) والفنان(ة) والموسيقي(ة) والمهاجر(ة) هؤلاء جميعا، أسندوا ظهور بعضهم البعض، في وقفة للتاريخ وفي لحظة فارقة من لحظات عشق الوطن، حاملين لشعارات عفوية، منتصرين للقضية، رافضين للعبودية، غير عابئين بالمتربصين، متحدين القمع وصارخين في وجه مكممي الأفواه، مؤمنين بعصرهم، متمردين على نخب التملق والعبودية، مشيدين صرحا نضاليا ستفتخر به الأجيال القادمة، في لحظة تأريخ سيخطها مؤرخ للشعب، في يوم الانتصار الكبير، يوم تسود سلطة الشعب ويقرر المغاربة مصيرهم السياسي بأنفسهم. في ليلة الأمس غابت التفرقة فحضر الجميع، فلبى النداء الشيوعي والليبرالي والإسلامي والأمازيغي واليساري الديمقراطي، والعدمي، والأناركي، والحقوقي والجمعوي والمدون، ونشطاء "تويتوما" و"الفيسبوك"، والمواطن غير المسيس، إنها بكل فخر واعتزاز ليلة انتصرت فيها القضية على لازمة"فرق تسد". فقط نخب التملق وسياسيو المصالح الخاصة، ومن اختار العبودية دينا في عصر الحرية، من سيهاجم هؤلاء الشرفاء الوطنيين، لكي لا يتخلص الوطن من الظلم والحكرة والفساد، لأن هذه الطحالب من أصحاب المصالح الانتهازية، لا تنتعش إلا في مناخ يطبعه الفساد والاستبداد والتسلط والظلم والحكرة. درس الأمس، يؤشر على وعي فردي يتبلور في الأفق المغربي المشرق لا محالة، ينبئنا ببدايات تكون رأي عام وطني يستطيع تجاوز كل الطابوهات السياسية، من أجل كرامته. وانأ أسترق النظر خلسة على حساب القاص المغربي الكبير أحمد بوزفور وجدته قد كتب هذه الكلمة الرائعة في حق شباب الحرية :" كان فرحي بدون ضفاف وأنا أرى شبابا كالورود، في سن أحفادي، يعتلون المنصات ويأخذون اللحظة الراهنة بقوة، نظرت إلى رفيقي الشيخ فرأيته يبتسم والدموع في عينيه قال لي وهو يشير إلى الحلوين و الحلوات على المنصات نستطيع الآن أن نموت مطمئنين". نعم سترحل كجسد يا أستاذ بوزفور، لكنك ستظل كلماتك حاضرة معنا مخلدة لبقائك الأبدي بيننا.