هزمهم جميعا. لم يعارضه أحد داخل الحزب إلا وقد انهزم. حتى عبد الهادي خيرات، خرج خرجته، ثم التزم الصمت. قال إنه ليس لقمة سائغة، وقال على جثتي، بخصوص الجريدة، وتحداه، وفي اليوم التالي غاب، ولم يظهر له أثر، واسترجع ادريس لشكر الجريدة. قوي هذا الكاتب الأول، ومهما تحديته يخرج فائزا. هزمهم جميعا، حتى فقدوا الأمل. لكن حروبه كلها داخلية، ولا يتفوق إلا على أسرته، بينما لا شيء في الخارج. في المعركة الحقيقية ادريس لشكر صفر، ومنزوع السلاح وقوته واهنة، ولم يهزم أحدا، ولم ينافس أحدا، ولا يدخل حربا إلا ويخرج منها خاسرا. كأنه يخوض حربا أهلية، بين أبناء الحزب الواحد، وعندما سينتهي منها منتصرا، لن يجد الحزب. سيجد نفسه قويا ولا أحد ينافسه وخصومه فارون، بينما يتجول زعيما وقائدا في أرض خراب. لم يزعج بنكيران، ولم يقدم بديلا لسياسة الحكومة، ولم يتفرغ ليعارضها، لأنه كان منشغلا بالحزب، ولا ينتهي من معركة، حتى يدخل إلى أخرى. بنفس الحماس، ونفس الحيل الحربية، ونفس النهج. إنه مدرسة هذا الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. لقد اختزل دوره ومهمته المقدسة في تنقية الدار، وفي النهاية، وبعد تحقيق الانتصار تلو الانتصار، سيجد نفسه منهكا، وزعيما لحزب لم ير الناس ولم يتوجه إليهم منذ سنوات. وهاهم خصومه ينسحبون، بعد أن قضى عليهم، وها هم يبحثون عن اسم جديد لحزبهم، بعد أن قهرهم ادريس لشكر، وخلا له الجو، ولم يعد يسمع أصواتا مزعجة، ولم يعد يعارضه أحد، وتمكن من صنع اتحاد اشتراكي منسجم، ويعيش مناضلوه في وئام وسكينة، ويجتمعون في ما بينهم، دون ضجيج ولا جلبة، و بلا قوة ولا دور ولا تأثير. لكن ماذا أعد ادريس لشكر للانتخابات القادمة، ومن من المغاربة يمكنه أن يقتنع بالتصويت على حزب الاتحاد الاشتراكي بعد أن تفرجوا على كل هذه الحروب والمعارك الداخلية. ومن هو هذا المغفل الذي سيقنع نفسه بالالتحاق بحزب ادريس لشكر. لقد هزم ادريس لشكر جميع الاتحاديين الذين واجهوه، وخسر أي إمكانية لخوض المعركة التي تقوم الأحزاب أساسا من أجلها، وهي التوجه إلى المجتمع ولقاء المواطنين وإقناعهم بمشروعها وبرنامجها السياسي. لنتخيله وهو يتوجه إلى المغاربة ليقنعهم. لنتخيل من بقي من الاتحاديين في الحزب وهم يتجولون في الأقاليم وينظمون التجمعات الخطابية. لنتخيل ادريس لشكر يعدد إنجازاته وما حققه: ماذا سيقول، ماذا سيقول. سيفتخر أنه أفرغ الحزب، وطرد كل من اختلف معه، وأسكت كل من حاول أن يواجهه. وبفضله أصبح الحزب منسجما، ويعزف نفس اللحن، ويغني نفس الأغنية. أما المغرضون الذين سيتهمونه بتشتيت الاتحاد الاشتراكي، والذين كانوا يأملون في أن يلتم اليسار حول رب الأسرة وكبيرها، فهم لا ينتبهون إلى ما حققه ادريس لشكر، بعد أن أعاد عبد الكريم بنعتيق إلى البيت. إنهم لا يرون إلا النصف الفارغ من الكأس، ويركزون اهتمامهم على الذين خرجوا، ولا يهتمون بالذين عادوا، ولا يثمنون عودة الابن الضال. لقد هزمهم جميعا ادريس لشكر وأفقدهم الأمل وخرجوا ليبحثوا عن اسم جديد لحزبهم وعن مقرات وفروع ليعلقوا في جدرانها صور الزعماء الراحلين والشهداء وليتافس الاتحاديون من جديد في ما بينهم عن من هو الأصل ومن هو النسخة وأثناء ذلك سيتأسف الفرقاء على المآل الذي آل إليه الحزب وسيبكي حزب العدالة والتنمية وسيذرف حامي الدين الدموع على هذا الحزب الكبير والخصم المحترم بينما هم في قرارة أنفسهم سعداء بادريس لشكر وبالخدمة التي يقدمها لهم الاتحاد الاشتراكي اليوم وبتضحياته في الماضي وبانشغاله اليوم بنفسه بنفسه فقط يهزمها ويفوز عليها وهو منتش ولولا التزام الحياد لقالوا لادريس لشكر شكرا لك لولا واجب التحفظ لشكر حزب الأصالة والمعاصرة الكاتب الأول ولا عتبره بنكيران هدية من السماء منحهما لهم الله بعد أن أعفاهم من مواجهته ومنافسته وأفرع لهم الطريق يا له من قائد فذ ويا لوضوح الخط الإيديولوجي في الاتحاد الاشتراكي بعد أن أصبح فارغا.