ماوقع في مقر الاشتراكي الموحد الأربعاء الفارط خطير للغاية على كل المستويات. هو خطير أولا لأننا اكتشفنا حقيقة تحكم العدل والإحسان بشكل فعلي ونهائي ولايقبل أي جدل في حركة 20 فبراير على الأقل في الدارالبيضاء. هو خطير لأننا رأينا بأعيننا وسمعنا بآذاننا ماظلت الحركة تردده أو على الأقل ماظل مستقلوها يقولونه دوما, وظلت الحركات المتحكمة فيها تنفيه. وهو خطير ثالثا لأنه يفتح باب رعب أكبر سيجيئ إذا ماصمتنا جيعا عليه اليوم. لنعد تركيب شريط الأحداث, لنرصدها بهدوء, ودون أي اتهام أو تخوين أو أي شيء من هذا القبيل لأي جهة, ولنحكم بعدها على الأحداث وليس على أي شيء آخر غيرها. ابتدأت المسألة بمنع شاب من المستقلين من دخول الجمع العام لحركة 20 فبراير في مقر الاشتراكي الموحد من طرف "شرطة" العدل والإحسان. في التبرير قيل إن الشاب المعني بالأمر ألف أن يثير القلاقل في الجموع العامة السابقة التي حضرها.
الأمر فهمه الواقفون في باب مقر الاشتراكي الموحد باعتباره علامة ضيق من شرطة العدل والإحسان التي تولت منع الشاب من دخول الجمع العام, من أي محاولة لمناقشة قرارات الجماعة التي يتم "تنزيلها" في الجموع العامة وتطبيقها في الشارع. هنا أخذت المسائل منحى آخر لاعلاقة له لا بحركة 20 فبراير ولا بالروح الثورية التي تسود الشارع هذه الأيام, ولا بكل الضجيج الذي قد تلتقطه أذناك هنا وهناك.
المسائل دخلت حيز الضيق بالرأي الآخر حتى داخل نفس الحركة, ومن ظلوا _ مثلنا تماما _ يعبرون يوميا عن خشيتهم من بروز الفكر الأحادي الديكتاتوري للعدل والإحسان على السطح يوما, وجدوا فقط المبررات للتعبير مجددا عن خوفهم على الحركة ككل, والتساؤل إن كنا سنمضي بعيدا في هذه التطورات حد رؤية الجماعة "تعزر" يوما المنتمين للتيارات الأخرى المكونة للحركة إذا ما اختلفت معهم في الرأي, إو إذا ماوصلت معهم إلى الباب المسدود في النقاش على افتراض أنها ستقبل نقاشا ذات يوم بخصوص أي شيء يهم هذه الحركة التي تعد المتحكم الرئيس فيها.
من يتابعون قليلا العمل السياسي والنقابي في المغرب, سيتذكرون فقط الجامعة المغربية أيام سقوطها الأولى بيد يدي العدل والإحسان, وكيف كانت حلقات "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" التي كانت حلقات النقاش الأولى في هذه الجامعة, تتحول بسرعة إلى حلبات للضرب على يد العدليين لكل من خالفهم الرأي وجاهر بهذه المخالفة, وامتلك شجاعة الحديث الصريح عنها أمام جموع الطلبة. رأى الطلبة حينها أسلحة بيضاء تستل من حيث لاتدري, ورأوا كراسي تخرجج من مدرجات لكي تتحول إلى أدوات تعذيب لزملاء لهم كل ذنبهم هو أنهم عارضوا المتحكمين الجدد في الجامعة المغربية, بل واحتفزت ذاكرة العديدين ممن عبروا الجامعة تلك الأيام بمشاهد مقتل غير واحد من الطلبة المخالفين للعدل على يد المنتمين لجماعة ياسين بسبب خلاف في الرأي والفكر لاغير. لذلك لايبدو ماوقع في مقر الاشتراكي الموحد الأربعاء الفارط غريبا كثيرا عن الجماعة, لكنه يبدو غريبا بشكل كبير على حركة شبابية تقول عن نفسها إنها أتت لتقطع مع أساليب الماضي في السياسة, وأنها تحمل البديل الاحتجاجي لكثير المصائب في المغرب. الأخطر من كل هذا هو أن نسمع عبد الإله المنصوري من الاشتراكي الموحد يتحدث على قناة "الجزيرة" ساعات قليلة بعد وقوع ماوقع عن "ضلوع الدولة فيما وقع", وهنا بالتحديد ندخل مناطق حمق حقيقية لا قبل للعقل السليم بها, لأنها لاتستند على أي أساس نهائيا. العدليون يمنعون شابا مستقلا من شباب الحركة من دخول المقر حيث يعقد جمع عام, والمنع يتطور إلى مناوشات بين العدليين وبين المستقلين في الحركة, وقيادي من الحزب الذي يمنح مقره لهذه الحركة يقول في القناة الإخبارية الشهيرة إن "الدولة هي المسؤولة عما حدث". هل هناك من تسلسل منطقي يربط بين كل هذا؟ بالتأكيد يوجد, ونحن أيضا سنقول إن الدولة مسؤولة عما حدث, لكن ليس من وجهة نظر البعض التي تقول إنها تدس "مستقلين" داخل الحركة لتفجيرها من الداخل. لا, الدولة مسؤولة من جهة ترك جماعة يفترض أنها "محظورة قانونا" مثلما تقول هي الأولى عن نفسها تؤطر حراكا شبابيا في الشارع على امتداد كل هذه الأسابيع دون أن تجد طريقة لاسترجاع شباب الحركة غير المنتمين إلى هذه الجماعة, وإقناعهم بضرورة الدخول في نقاش فعلي بعيدا عن مظلة العدليين التي يعتقدون أنها تغطيهم الآن وتحميهم, لكنها بالتأكيد ستنتقل معهم وبهم إلى مرحلة أخرى بعد أن "تقضي وطرها منهم".
الإشكال الكبير اليوم في المغرب هو كيف نقنع شبابنا المستقل وغير المتطرف بأن حركة ديكتاتورية مثل العدل والإحسان لايمكنها أن تكون طليعة لأي تغيير ديمقراطي في البلد. "هاكذا وبلا فلسفة". غير هذا الأمر سيستمر الوضع على ما هو عليه أياما وأسابيع وشهورا وربما أعوما أخرى, ولن يلجأ المتضرر إلى أي قضاء. سيلجأ عكس ذلك إلى هذه الانتظارية التي لاتحمل في طياتها إلا المزيد من الخراب للبلد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق المشهد المحزن والمثير لكل أنواع الشفقة الذي ظهر به الرئيس اليمني علي عبد الله صالح محروق الوجه, هو وجه الزعامات العربية الكاذبة التي لفظتها الشعوب والتي لامشروعية لها ولا شرعية للبقاء في الحكم, ورغم ذلك تتشبث بالسلطة ولو على حساب أرواح أبناء شعبها وعلى حساب سلامتها الشخصية مثل حالة علي عبد الله صالح.
ترى, أي وجه نقدمه كعرب أو كمسلمين أو كمنتمين لهذه الأمة العجيبة للعالم كله عنا؟ أي تصور سيحمله الآخرون إلى نهاية الأيام عن هذه الأمة؟ وأي فكرة سنحملها نحن عن أنفسنا إلى آخر الأيام؟ فعلا لاجواب, بل الأسف ولا شيء غير الأسف, ولا كلام.