زلزال حدث بالمغرب يوم 25 نونبر 2011، بصعود الإسلاميين للسلطة. فاز العدالة والتنمية بالانتخابات وصار أمينه العام، عبد الإله بنكيران، رئيسا للحكومة المقبلة. هذا الزلزال تلته، حسب متتبعين، هزات ارتدادية لم تكن متوقعة، آخرها قرار جماعة العدل والإحسان، التي قررت دائرتها السياسية، قبل أيام، الانسحاب من حركة 20 فبراير. القرار وأسبابه وتبعاته شكل حديث الفاعلين السياسيين في المغرب، خاصة أعضاء حركة 20 فبراير، سواء يساريوها الراديكاليون أو مستقلوها أواتحاديوها أو حتى إسلاميوها بالأمس. «المساء» ترصد ردود أفعال ناشطين حركة 20 فبراير بشأن قرار العدليين الانسحاب منها. منذ انطلاق حركة 20 فبراير خلال الشتاء الماضي وسؤال عريض يطرح باستمرار: «هل تستطيع الحركة أن تستمر بمكوناتها المختلفة والمتناقضة أحيانا؟»، سؤال أجابت عنه أحداث توالت، من خلال طفو خلافات بين إسلاميي حركة 20 فبراير ويسارييها ومستقليها على السطح. آخر هذه الأحداث انسحاب العدل والإحسان من الحركة، والذي تضاربت آراء ومواقف وحتى قرارات ناشطين في حركة 20 فبراير بشأنه. «المساء» استقت آراء بعض ناشطي الحركة. كانوا كلهم يعودون إلى لحظة البدء، لحظة تأسيس الحركة في20 فبراير سنة 2011. عند هذه اللحظة، يؤكد هؤلاء الناشطون، انطلقت الحركة من التقاء أفراد، ولم تكن لها هوية سياسية، بل تمكنت من تدبير اختلاف مكوناتها دون ادعاء سيطرة أحد هذه المكونات على الحركة، بما في ذلك جماعة العدل والإحسان. في البدء كان الخلاف عبد الصمد عياش، ناشط بحركة 20 فبراير وعضو لجنتها الإعلامية، المخول له الحديث باسم حركة 20 فبراير، يؤكد على أن حركة 20 فبراير لم تكن يوما تابعة لجماعة العدل والإحسان حتى يؤثر قرار انسحاب الجماعة عليها، إذ يقول في هذا الصدد: «يجب الإشارة إلى أن حركة 20 فبراير مدرسة وصيرورة بناء قناعات. في بحر هذه المدرسة أصبح شباب العدل والإحسان، لأول مرة في تاريخ المغرب، عدا تجربة منظمة مساندة العراق وفلسطين، ينخرطون إلى جانب حساسيات مختلفة تقدمية ويسارية أو سلفية أو مستقلة أو راديكالية». هذه التجربة أغرت العدل والإحسان، حسب عياش، بالمضي نحو السيطرة على حركة 20 فبراير فيما بعد. هذا ما يوضحه بقوله: «العدليون طبعا انفتحوا خلال تسعة أشهر على أجواء ديمقراطية في اتخاذ القرارات في الجموع العامة، وتعايشوا مع مجمل الأيديولوجيات المتواجدة داخل 20 فبراير خلال المسيرة بشعارات موحدة، خلافا لما تنهجه الجماعة من تصورات فوقية تلزم الجميع، وبنية هذا الانصهار تفرز تربية نضالية ديمقراطية تؤمن بالاختلاف، بل جدلية التأثير والتأثر، وهذا ما يتنافى مع هيكل العدل والإحسان. لذا كان لزاما اجتثاث الشبيبة من كومة النقاشات تلك، والتي تؤصل لوطن يقبل الجميع، بمن في ذلك النساء التقدميات. وأظن أن هذا المؤشر كان من بين مؤشرات أخرى جعلت العدل والإحسان تخاف من فقدان شبيبة طيعة منفتحة على نوع جديد من التعامل قد يصبح معها الجيل القادم من العدليين أكثر تحررا وأكثر قابلية لبناء تصور ديني مختلف للجماعة». يبرز العضو في حركة 20 فبراير أيضا أن تنظيم حركة الفبرايريين لم يتأسس على ضم مكونات متفرقة، بل كانت الحركة جسما واحدا، وبالتالي لا يمكن، حسبه، الحديث عن انسحاب أي طرف من حركة 20 فبراير. وفي هذا السياق يقول عياش إن «جماعة العدل الإحسان كتنظيم لم تكن ألبتة داخل الحركة حتى تنسحب. نتواجد داخل الحركة فقط كأفراد، ولهذا تم تأسيس مجلس الدعم، فالحركة دائما كانت وستظل مستقلة، مناعتها أقوى من محاولات السطو، سواء من طرف الجماعة أو الأحزاب اليمينية أو اليسارية أو شبه اليسارية، وما انسحاب العدل والإحسان من مجلس الدعم إلا دليل قاطع على انتصار استقلالية الحركة، ومناعتها ضد أي تيار أو تنظيم يحرف مواقفها إلى صراع ديني أو عقدي أو عرقي، فالحركة تطالب بمغرب ديمقراطي حر عادل تحترم فيه الحريات وهوية الشعب المغربي وخصوصية أقليته وأغلبيته». جماعة وأمريكا وشكر وتكفير تلت قرار انسحاب جماعة العدل والإحسان ردود أفعال متباينة في صفوف ناشطي 20 فبراير. بعض ردود الأفعال هاته كانت أكثر قوة وهجومية. ناشطون في الحركة اعتبروا أن انسحاب الجماعة يطرح علامات استفهام، رابطين تحركات جماعة عبد السلام ياسين بتعليمات أمريكية. من بين هؤلاء المنتقدين أحمد المدياني، الناشط في صفوف حركة 20 فبراير بالدار البيضاء، الذي ينقل، في صفحته على الفايسبوك، خبرا مفاده أن «سفير أمريكا يعترف بلقاءات سرية مع العدل والإحسان، و يؤكد أنهما كان يتشاوران حول قضايا الوطن الداخلية، وأن جدول الأعمال كان يحدد مع وزارة الخارجية المغربية». الفرضية ذاتها دافع عنها عبد الصمد عياش، الذي صرح ل«المساء» قائلا: «عدم انخراط ناشطي العدل والإحسان في الحراك وراءه الكثير من التساؤلات استطعت الإجابة عن بعضها. المثير في ذلك هو اعترافات سفير الولاياتالمتحدةالأمريكية بالرباط، صمويل كابلان، التي خص بها إحدى الجرائد المغربية، إذ قال بالحرف، حسب نفس الجريدة، إن لقاءات السفارة بأعضاء بجماعة العدل والإحسان تنظم بشكل سري، حتى يتسنى لأمريكا تقصي واستطلاع الطرق التي تفكر بها الجهات المعارضة للسلطة بالمغرب.. والكل يعلم نوايا أمريكا وقربها من العدالة والتنمية ومن الحركات الإسلامية في شمال أفريقيا». هنا تظهر فرضية أخرى دافع عنها أعضاء بحركة 20 فبراير استقت «المساء» آراءهم. وتكمن هذه الفرضية في علاقة فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات في قرار الجماعة الهادف، حسبهم، إلى عدم الضغط على حكومة الإسلاميين، وهذا ما يفسره عياش بقوله: «بعد صعود العدالة والتنمية مباشرة ظهرت بوادر اختفاء الجماعة، بعد ذلك وقعت تطورات أهمها ما يتعلق باستعداد بنكيران للحوار. لقاءات حركة التوحيد والإصلاح بالدائرة السياسية للجماعة، وتصريحات أرسلان على «الجزيرة» حول إمكانية إنشاء حزب سياسي كانت كلها عوامل جعلت جماعة العدل الإحسان تتداول في دائرتها السياسية حول قراءة أخرى للحراك الديمقراطي بالمغرب. أما مجمل التبريرات التي قدمتها فأرى بأنها القناع الذي يخفي الأسباب الحقيقية. فلماذا لم يتوقف المستقلون عندما تداولت وسائل الإعلام سيطرة العدل و النهج مثلا؟». ويضيف عياش قائلا: «إن قرار التوقيف يمكن قراءته من زاويتين: أولا، صعود حزب إسلامي كان في مرحلة تاريخية يتقاسم مع الجماعة بعضا من مبادئها. ثانيا، أن التوقيف يعني أن الجماعة يمكن لها الالتحاق بالحراك من جديد إذا ظهرت شروط أخرى تتطلب التفاوض من موقع الشارع». قرار انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير فتح باب الملاسنات بين العدليين المغادرين ويساريي الحركة، فقد انطلق عدليون في كيل الاتهامات لأحزاب اليسار الراديكالي بالسيطرة على حركة 20 فبراير، بينما أرسل ناشطون يساريون بالحركة رسائل مشفرة إلى العدليين المنسحبين. في هذا الصدد كتب نجيب شوقي، العضو البارز في حركة 20 فبراير، في صفحته على «الفايسبوك»، معلقا على قرار انسحاب العدل والإحسان من الحركة وتعليقات عدليين كانوا يخرجون إلى جانبه في مسيرات «هل هؤلاء هم أنفسهم أعضاء الجماعة الذين كنا نتقاسم معهم زرواطة المخزن وعنف البلطجية؟. الزمان غريب، لن أسب ولن أشتم الجماعة، رغم كل السب والشتم ضد نشطاء الحركة وضدي شخصيا». أمينة بوغالبي، الناشطة البارزة بالحركة، التي سبق لها أن اشتكت، رفقة ناشطات فبرايريات أخريات من سب عدليين لها، علقت أيضا بالقول: «صفحات حركة 20 فبراير المسيطر عليها من أعضاء من جماعة العدل والإحسان، كصرخة الشعب وصفحة رصد بدأت في شن حملة تكفير وتخوين ضد نشطاء الحركة المستقلين وضد أحزاب اليسار. هل هؤلاء هم أنفسهم أعضاء الجماعة الذين كنا نتقاسم معهم زرواطة المخزن وعنف البلطجية. لن أسب ولن أشتم الجماعة رغم كل السب والشتم ضد نشطاء الحركة وضدي شخصيا. أقولها مرة أخرى الحل ليس هو تكفير 20 فبراير والهجوم على الأحزاب الداعمة لها، بل هو النضال ضد الفساد والاستبداد. لن ننجر إلى حرب مع الجماعة...وسنقاوم الاستبداد المخزني. وشكرا لكل أعضاء جماعة العدل والإحسان على التكفير والسب والشتم المنشور في صفحات الجماعة على الفيس بوك». للجماعة رأي بعد قرار الدائرة السياسية بجماعة العدل والإحسان بانسحاب الجماعة من حركة 20 فبراير كانت هناك تعقيبات من قبل ناشطين بالجماعة. أعضاء بمجلس الإرشاد نظموا حوارات حية عبر الإنترنت لتوضيح أسباب وأهداف الانسحاب، وعدليون كانوا ينتمون إلى تنسيقيات الحركة لمدن عدة كتبوا معلقين على الانسحاب. تعليقات العدليين أظهرت انضباطهم الواضح لقرارات قيادات الجماعة، إذ لم يرد هناك رأي شارد من عدلاوي معترض على قرار الانسحاب. أبرز توضيح صادر عن ناشط فبرايري من العدل والإحسان بالدار البيضاء كان لعبد الصمد أوبيد، الذي انتظر حتى تهدأ حمأة ردود الأفعال عن قرار الجماعة، حسبه، حتى يكتب وجهة نظره في الموضوع. أوبيد اعتبر أن «كل من يقوم بتقييم دقيق لمآلات الحركة يجد أن هناك ثلاثة خيارات مطروحة أمام أي تنظيم مهما كانت مرجعيته، الأول هو التصعيد والثاني الاستمرار والثالث هو التوقف»، مضيفا أن خيار «التصعيد كان أمل كل المستقلين الأحرار وليس من يدعي الاستقلالية، خاصة أنهم متحررون من أي حسابات. أما بالنسبة لجماعة العدل والإحسان فقد كانت تتقاسم هذا الأمر معهم، إلا أنها لم تر الشروط كافية للتصعيد». وبشأن خيار الاستمرار يكتب أوبيد أن «الكل يرى أن الحركة بدلا من أن تحقق هدف الضغط على المخزن أصبحت تحقق العكس، وبدلا من أن تزيد الغضب الشعبي أصبحت تمتص الغضب الشعبي وذلك بالمسيرات الأسبوعية حيث لا تلاحظ ذلك الغضب في أعين الناس. هذا من جهة، لكن الأدهى والأمر أن هناك من أصبح يتاجر بالحركة ويقضي مصالحه بالضغط على المخزن بالالتحاق بالشارع إن لم تطبق مطالبه ورغباته، وأقصد هنا العدالة والتنمية. كما نرى أن هناك من اصطف في المعارضة وأعاد شبابه للحركة قصد استغلال ضغط الشارع. ولا أظن الجماعة غبية فهي المحرك الأساس لحركة 20 فبراير، فلا يمكن أن نكون حطبا يحقق بها الآخرون رغباتهم . والأكثر من هذا أصبح الجو العام جد ملائم للمخزن، حيث تألقم مع المسيرات وأصبح يسوق للخارج أنه جد ديموقراطي وأن المغرب منفتح على الكل والكل يعبر كما شاء ومتى شاء، والجماعة لن تسمح بتمرير هذه المغالطات الخطيرة». يبقى خيار التوقف، الذي تبنته الجماعة، هو الأمثل، حسب أوبيد، الذي يكتب: «أما قرار التوقيف فبقي القرار الأسلم، فلا لوضع سقف للحركة ولا لتدجين هوية الشعب المغربي المسلم لأن الجماعة ظلت صابرة عشرة أشهر على من ينسقون معها عساهم يفهمون وكذا لطمأنة الكل بأننا لسنا إقصائيين، لكن التواضع فُهم ضعفا، والتواصل فُهم مذلة، والانتهازيون بنوا مشاريعهم على استمرار الجماعة في الشارع ظنا منهم أن الجماعة لن تستطيع أن تتوقف عن الحركة لما قدمت من تضحيات فيها، متناسين أن الجماعة لا ولن ترضى أن تمرر مشاريع مخزية ومخزنية على أبناء الشعب». كما أضاف، «كان القرار مفاجئا، لكن حكيما ودقيقا، فقد أربك كل حسابات المخزن والمشهد السياسي المغربي، والجماعة لم تكن سلبية الطرح وإنما جددت الدعوة إلى ميثاق يجتمع فيه الكل ليضحي من أجل الشعب و ليس من أجل مصالح شخصية، فشعبنا كباقي الشعوب يحتاج إلى ثورة حقيقية تهز أركان الظلم وليست رتوشات توحي للشعب بأنه تحرر، فلن نقبل ما حيينا بهذا التضليل، خاصة أن هناك شريحة واسعة تثق في الجماعة وتؤيدها». تائهون ومرتاحون انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير تواصلت تداعياته خارج المغرب، وصار مثار نقاش بين الناشطين في الحركة بدول عدة، خاصة فرنسا وبلجيكا وهولندا وكندا، حيث ينظم المغاربة مسيرات ووقفات احتجاجية أمام المصالح المغربية والأجنبية لهذه الدول، تزامنا مع مسيرات الآحاد بالمغرب. ينتظم بعض مغاربة الخارج في تنسيقيات وائتلافات داعمة لحركة 20 فبراير. هؤلاء الناشطون تربط عددا كبيرا منهم علاقات بحركات مدنية وسياسية يسارية، مما يعني أن ارتكاز حركة 20 فبراير بالخارج على أتباع جماعة العدل والإحسان لم يكن كبيرا، علما أن هناك عددا كبيرا من أنصار عبد السلام ياسين بدول أوربية، خاصة إسبانيا وإيطاليا، لكن هؤلاء لم يكونوا حاضرين بشكل كبير في مسيرات 20 فبراير بالخارج. هذا ما اتضح من خلال تعليقات ناشطين في حركة 20 فبراير بالخارج، والذين قللوا من أهمية انسحاب العدل والإحسان وتشكيل ذلك خطرا على مستقبل الحركة. تعليقات هؤلاء الناشطين الفبرايريين في دول أخرى التقت عند اعتبار أن جماعة العدل والإحسان، وإن كانت قد انسحبت من الحركة فإنها لم تنسحب من الحراك الذي يشهده المغرب، في إشارة إلى أن أنصار العدل والإحسان ما زالوا متشبثين بسقف مطالبهم، الذي ظل مرتفعا حتى قبل دخول الجماعة إلى حركة 20 فبراير. لم تكن ردود أفعال مستقلي حركة 20 فبراير متحدة بخصوص قرار انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير. مستقلو مدن هددوا هم أيضا بالانسحاب، وآخرون جمدوا عضوياتهم بالحركة، ومستقلو مدن أخرى دعوا إلى مواصلة الاحتجاج والعمل داخل حركة 20 فبراير. بعض المستقلين اعتبروا أن ما تمخض عنه المؤتمر الوطني لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي، وإعلان تبنيه لحركة 20 فبراير، جعلهم يتخوفون من مستقبل الحركة وإمكانية سيطرة اليساريين عليها، حسبهم. مستقلو مدن أخرى، مثل الجديدة، كان رأيهم واضحا، إذ خرجوا ببيان يعلنون من خلاله مواصلتهم الاستمرار في حركة 20 فبراير لتحقيق الأهداف التي تم إعلانها منذ البدء. بين المستمرين والمنسحبين والمتذبذبين تظهر جبال تحديات كبرى ستواجه الحركة مستقبلا. ما مصير حركة 20 فبراير بدون جماعة العدل والإحسان، التي كانت تضمن للحركة حضورا حاشدا في المسيرات التي تدعو إليها؟ هذا السؤال يجيب عنه عبد الصمد عياش، عضو لجنة الإعلام بحركة 20 فبراير بالقول: «اسمح لي هنا أن أؤكد على استقلالية الحركة، فلا أحزاب اليسار ولا أحزاب اليمين تستطيع السطو على الحراك أو توظيفه من أجل تحسين موقعها التفاوضي. ما راج في مؤتمر الاشتراكي الموحد هو فقط دعوة مجددة للانضمام إلى الحراك والضغط أكثر من أجل الديمقراطية لا غير. مطالبنا العادلة والمشروعة لا تقاس بالعدد والكم، فالعدل والإحسان لم تدعم الحراك أول الأمر، ونزولها من القطار لا يعني قط توقف القطار، مثلما وقع مع حركة «بركة»، ومع الشبيبة الاتحادية التي صوتت على الدستور وشاركت في الانتخابات. هي مسألة مرتبطة بمدى مشروعية مطالب الحركة وتأثيرها على الرأي العام، فنحن لسنا في مباراة لكرة القدم نحسب عدد الجمهور الوافد. الحركة مستمرة في مطالبها مادامت شروط استمرارها متوفرة».
الناشطة في حركة 20 فبراير تقول إن هناك ثلاث فرضيات لانسحاب الجماعة من الحركة وداد ملحاف: لاحظنا أن حماس العدل والإحسان بدأ يخفت بعد فوز العدالة والتنمية - كيف قرأتم، داخل حركة 20 فبراير، انسحاب جماعة العدل والإحسان من الحركة؟ للحديث عن انسحاب جماعة العدل والإحسان يجب أولا وضعها في سياقها العام. بداية عندما وجهنا نحن شباب حركة عشرين فبراير نداء الانخراط الكامل في الحركة من خلال الخروج ودعم الاحتجاجات، التي يقودها الشباب لم يكن الرهان بالأساس على التنظيمات لسبب بسيط هو أن هذه التنظيمات كانت متواجدة من قبل، لكن لم تكن لها الجرأة الكافية للخروج بشكل منتظم من أجل الضغط في الشارع. لكن هذا لا يعني أن فكرة الاحتجاج لم تكن واردة من قبل، لأن المغرب عرف انتفاضات مستمرة ومتتالية، أهمها تلك التي كانت في سنوات الرصاص، دون أن ننسى المناطق المحرومة التي انتفضت بشكل عفوي من أجل تحقيق الكرامة ونبذ «الحكرة» كانتفاضات سيدي إيفني وصفرو ... إذن فالرهان الأكبر لحركة 20 فبراير هو على المواطن البسيط الذي يعاني من الإقصاء والتهميش ومن مشاكل اقتصادية واجتماعية حلها سياسي بالدرجة الأولى، لكن مباشرة بعد إطلاق النداء الأول اختارت تنظيمات حزبية وجمعوية، إضافة إلى أشخاص لا منتمين، دعم هذه الحركة بالالتحاق بمجلس الدعم الذي هو مستقل تماما عن قرارات الحركة التي تخرج عن الجموع العامة. كان شباب العدل والإحسان حاضرا معنا بقوة، سواء من ناحية تعبئة قواعد الجماعة للانخراط في جل المسيرات، أو من ناحية الدعم اللوجيستيكي. كما تقاسمنا معهم لحظات عصيبة من القمع والتضييق، رغم بعض الاختلافات والنقاشات حول تحديد السقف من عدمه... وحول نوعية الشعارات التي ترفع في المسيرات والمحطات النضالية عن ارتباطها بأيديولوجية معينة أم لارتباطها بأرضية الحركة، لكن مباشرة بعد فوز العدالة والتنمية في الانتخابات لاحظنا أن الحماس الذي كنا نراه من قبل في عيون شبابهم بدأ يخفت، وكذلك الحضور الميداني بدأ يقل تدريجيا، لأسباب غير معروفة، إلى أن صدر قرار الدائرة السياسية للجماعة، والذي ربما قد كان مفاجئا حتى لبعض شبابهم الذين أعرفهم شخصيا، لكن الطبيعة التنظيمية للجماعة تفرض عليهم الامتثال لهذا القرار وهو أمر أحترمه حتى وإن اختلفت معه. - هل تشكون في أن انسحاب الجماعة جاء بعد إبرامها صفقة مع الدولة؟ أم هو راجع لصعود الإسلاميين إلى الحكم؟ حاليا لا يمكنني الحديث عن وجود صفقة للعدل والإحسان مع الدولة ولا مع أي جهة لأن الأيام القادمة ستوضح معالم هذا الانسحاب، لكن هذا لا يعني أنه لا يجب وضع فرضيات لمستقبل هذا القرار. - ما هي هذه الفرضيات؟ أولا هناك فرضية حول احتمال سماح الدولة لجماعة العدل والإحسان بالدخول بشكل رسمي في اللعبة السياسية، وهو ما أعتبره، بشكل شخصي، أن الجماعة ستكون قد تعاملت بشكل فيه نوع من الانتهازية مع شباب الحركة الذي مهد لها البروز كتنظيم قوي في الشارع. الفرضية الثانية تتعلق باحتمال الرغبة في أن تبين جماعة العدل والإحسان بحكم العدد الذي سيقل في مسيرات الحركة، إضافة إلى عدم توحد الهيئات الداعمة اليسارية، أنها القوة المتحكمة في الحراك، وبالتالي سترجع بقوة إلى الشارع وتفرض شعاراتها وإستراتيجياتها على الشباب. الفرضية الثالثة هي أن ترؤس الإسلاميين للحكومة هو الذي جعلهم ينسحبون لكي لا يكون هناك صراع بارز بين الجماعة والعدالة والتنمية. والكل يعلم أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المغرب من الصعب جدا أن يكون لها حل سحري بيد الحكومة قصد تجاوزها، إضافة إلى أن الدور التعبوي الذي ستلعبه الجماعة من أجل الانخراط في الحراك الشعبي سيخنق النظام المخزني بشكل كبير.