في المغرب يمكنك أن تنتقد الملك حتى, سيسمون انتقادك له روحا ديمقراطية تعبر عن نفسها من جديد. لكن لايمكنك أن تنتقد 20 فبراير. حينها سيسمونك مخزنيا عميلا, تلقى مقابل ماكتبه, ووجهته جهات خفية أملت عليه مايكتب, بل أمرته بذلك فورا وبسرعة ودون تردد. في المغرب يمكنك أن تطالب بنزع كل صلاحيات الملك, من الفصل 19 إلى إمارة المؤمنين إذا ما أردت ذلك. يمكنك أن تعرج على الصلاحيات المخولة لكل الوزراء الذين يخطرون على بالك, لكن لايمكنك قطعا أن تقول كلمة معارضة واحدة لطريقة اشتغال الشباب في الشارع, ولو بدا لك أن الشباب "غير غاديين وصافي". في المغرب يمكنك أن تقف في باب المركز الإداري للمخابرات "حتة واحدة". تضرب الباب برجليك, تدخل على الحموشي, تطالبه بأن يريك الأماكن التي كان يعذب فيها معتقلي السلفية الجهادية, ثم تأمره أن يعطيك أحجام كل القوارير التي استعملتها أجهزته لكي تنتزع اعترافات المعتقلين تحت التعذيب, لكن لايمكنك قطعا أن تطالب بالكشف عمن يطبع اللافتات الأنيقة التي تحمل عبارات "ديكاج" و"إرحل" و"سيرو بحالكم", و"هالعار يلا ماتدركو كمامركم", وغيرها من لافتات الحركة التي تنزل إلى الشارع كل أحد في بيكنيك ديمقراطي مبهر للغاية. في المغرب يمكنك أن تصف لجنة تعديل الدستوري أنها مجرد لجنة للمانوني, عينها المخزن, وكلفها المخزن بأن تعدل الدستور, وأمرها المخزن بأن تفعل كذا وكذا, ومنعها من أن تقترب من كذا وكذا, لكن بالمقابل لا يمكنك أن تقول إن حركة العدل والإحسان ومعها النهج الديمقراطي قد استوليا على أحلام الحركة الشبابية المغربية, وحولاها إلى مطية لكل أغراضهما السياسية خصوصا بالنسبة للحركة المتأسلمة التي تتشبث بفرصتها التاريخية والأخيرة للوصول إلى الحكم في البلد. في المغرب يمكنك أن تصف كل الأحزاب المغربية "من الطرف حتى للطرف" بأنها باعت الماتش, وأنها ترضع من بزولة المخزن, وأنها أصلا مجرد أحزاب عميلة تأتمر ليل نهار بما يمليه عليها أصحاب الحال, ولا تصلح في الأساس لأي شيء سوى أن تكون ديكورا لخراب مسمى الديمقراطية الصورية التي تتحكم في البلد. لكن لا يمكنك بالمقابل أن تقول إن بعض التنظيمات التي تتحكم في حركة 20 فبراير هي أبعد التنظيمات في العالم عن الديمقراطية, وستكون انتحاريا بالفعل لو ذكرت الجميع أن النهج الديمقراطي لا يمكن أن يطالب بالديمقراطية للمغاربة وأن النموذج الستاليني المرعب لازال ماثلا أمام أعيننا جميعا, تماما مثلما ستكون أخرقا لو قلت لمن يريد سماعك أن "سيدي عبد السلام ياسين" لا يمكن أن يشكل بالنسبة لك أي أفق لأي حلم ديمقراطي حتى ولو ابتعلت كل مخدرات الكون. في المغرب يمكنك أن تخرج على الناس شاهرا سيفك وأن تشهر معه شعاراتك من "إرحل ونتا غادي" إلى أن تصل إلى "كلشي يطلع برة" لكي تبقى وحيدا في البلد تفعل بها وفيها ومعها ماتشاء, لكن لا يمكنك أن تطالب الناس اليوم بتفسير منطقي للشعارات التي ترفع, ولا أن تطالب بأن تكون هذه الشعارات متفقا عليها بين الشعب كله لئلا يقال لنا في الختام بعد أن ينتهي كل هذا الضجيج إننا أخطأنا في كل شيء وأننا ننوي البدء من جديد. في المغرب اليوم يمكنك أن تقول "الشعب يريد", ثم تضيف لهذه الإرادة الشعبية المفترى عليها ماتشاء من المطالب العاقلة والحمقاء. في البدء كان الشعب يريد إسقاط الاستبداد, بعدها أراد إسقاط الفساد. في الملعب يوم السبت الفارط كان الشعب راغبا فقط في "تلاتة لزيرو", وحين سجل "الدراري" أربعة أهداف أصبح يصيح رغبته في "خمسة لزيرو". في أماكن أخرى الشعب يريد التيقار. في أماكن أخرى هناك شعب آخر لايريد شيئا على الإطلاق. يريد فقط أن لا يتحدث باسمه أي "مسخوط الوالدين", بكل بساطة لأنه لم يكلف أحدا بالحديث باسمه. الشعب عادة يقول لنا إنه قادر على أن يقول كل شيء يريده بالفعل متى بدا له ذلك ضروريا جدا, وهو ليس مضطرا لإعطاء نفسه مواعد بين الخمسة عشر يوما والأخرى لكي ينزل الأحد بالتحديد في الساعة العاشرة صباحا أو الخامسة مساء إلى الساحات العامة. الشعب عندما يريد يخبرنا بذلك بطرق أخرى. مايقع اليوم في الشارع المغربي هو التفاف بالفعل على إرادة الشعب لئلا نسمع ما الذي يريده حقا. العدليون يقولون إن الشعب يريد سيدي عبد السلام خليفة للمسلمين. اليساريون الجذريون يقولون إن الشعب يريد ديمقراطية توصل الحريف إلى كرسي الرئاسة وبعدها نلغي كل شيء. العدميون يقولون إن الشعب يريد أن يظل الحال على ماهو عليه لكي يجدوا باستمرار ذريعة لكي يسبوا كل شيء. من جهتي, أعرف أن الشعب يريد شيئا واحدا أساسيا: أن يسكت كل الكاذبين الذين يتحدثون باسمه لكي يتمكن من قول ما يريده حقا. تراهم يسمحون له بهذه الهنيهة من الصمت يوما؟ أم تراهم يستمرون في ضجيجهم وفي كل هذا العويل؟