سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القصرالملكي وتأميم البيضاء: تنفق البيضاء 10 ملايير سنتيم على كورنيش عين الذئاب و8 ملايير سنتيم على تهيئة المثلث الذهبي وأصحاب العقار يلهفون الملايير على ظهر السكان
طوال سنوات وميزانية الدارالبيضاء تراوح سقف 200 مليار سنتيم و سنويا. ورغم كثرة الجيوب الضريبية «النائمة»، فإن السلطة المحلية والمنتخبة لم تقو على تحريكها. وكان على الدولة انتظار 10 سنوات (نظام وحدة المدينة طبق عام 2003)، أي انتظار تعيين المهندس محمد بوسعيد واليا على الدارالبيضاء، للبرهنة على أن «الحركة كتدور» في العاصمة الاقتصادية، وأنه بالإمكان ضخ الملايير في خزينة المدينة لمواجهة الأعباء المتزايدة. إذ في ظرف أقل من عام، بعد تولي بوسعيد مقاليد ولاية الدارالبيضاء، انتفخت مداخيل المدينة ب 57 مليار سنتيم إضافية موزعة بين 47 مليار كانت «ناعسة» عند المصالح الضريبية للدولة، و10 مليار سنتيم كانت «راكَدة» عند كبار الملاكين العقاريين بالمدينة. فبعد حصر حسابات عام 2012 تم يوم الاثنين 14 يناير 2013 زف بشرى للمسؤولين من كون مداخيل بلدية الدارالبيضاء تجاوزت 257 مليار سنتيم (ما يوازي ميزانية 10 وزارات) لأول مرة في تاريخها. وهي بشرى مطمئنة بالنظر إلى أن «الاحتباس المالي» الذي تشكوه الخزينة العامة للدولة عرقل تمويل العديد من المشاريع المسطرة بالدارالبيضاء، على اعتبار أن نسبة مهمة من التمويل تكون من نصيب الحكومة أو الصناديق العمومية التابعة لها. لكن بسبب «الجفاف المالي» تم تأجيل أو إقبار مشاريع مهيكلة أساسية بالدارالبيضاء. وحسبنا الإشارة إلى الخطوط الأربعة المتبقية من الترامواي أو الخط الجهوي السريع التي تم إخراجها من الأجندة الحكومية لغياب «الفلوس». (RER)
اليوم، وبعد أن ثبت بالملموس أن هناك جيوبا مهمة من شأنها رفع ميزانية المدينة إلى 400 مليار سنتيم سنويا، إن توفرت الإرادة المشتركة لدى الجميع، فإن ذلك يعد عاملا مساعدا لفتح شهية المؤسسات المالية الدولية لإقراض الدارالبيضاء المبالغ التي تحتاجها لتمويل مشاريعها. ولنا في تجربة المدن الأسيوية خير مثال، بالنظر إلى أن طوكيو وكوالالمبور وجاكرتا وسيول لا تتردد لحظة في ولوج السوق المالية الدولية للحصول على قروض لتمويل بنيتها التحتية أو تجديد مرافقها لتحافظ هذه المدن الأسيوية على جاذبيتها وتنافسيتها أمام مدن العالم.
فعقب المجهود المؤسساتي الذي بذلته السلطات العمومية المتمثل في إصلاح الإدارة الجبائية بالدارالبيضاء بفصل مصلحة الوعاء عن مصلحة الاستخلاص وعن مصلحة المتابعة وغير ذلك، وعقب تدخل السلطات المحلية لتوفير الخرائط والمعلومة وعقب توجيه السلطة للمجلس نحو «الكنوز غير المستغلة»، حان الوقت لتطرح النخب الحزبية بقوة ملف الاختصاص الضريبي لنزعه من وزارة المالية وتخويله للبلديات الكبرى على الأقل.
فلا يعقل أن تنفق مدينة الدارالبيضاء 10 مليار سنتيم على تهيئة كورنيش عين الذئاب، وتنفق 8 مليار سنتيم على تهيئة المثلث الذهبي (شوارع المسيرة وعبد اللطيف بنقدور وأنفا وموليير وزنقة عين حرودة) بشكل يؤدي إلى ارتفاع قيمة العقار بهذه الأحياء (60 ألف درهم للمتر المربع)، ولما يباع هذا العقار لا تستفيد المدينة من أي ربح مضاف، بل «يلهف» صاحب العقار الملايير لوحده على «ظهر السكان»!
لا يعقل أن تتجول في الدارالبيضاء مليون و200 ألف سيارة مع ما يعنيه ذلك من ضغط على الشبكة وعلى الزفت وعلى الصيانة وعلى التلوث، ولما يسدد صاحب السيارة الضريبة السنوية (الفينيات) تسطو وزارة المالية على «الحصيصة» البالغة حوالي 120 مليار سنتيم سنويا! علما أن مجرد صيانة شوارع الدارالبيضاء وفق المعايير العالمية يفرض رصد 500 مليون درهم (50 مليار سنتيم) سنويا. والحال أن البلدية لا ترصد بالكاد سوى 70 مليون درهم (7 مليار سنتيم) في السنة لصيانة شوارعها وأزقتها الممتدة على طول 5000 كلم، أي ما يمثل سدس حزام الكرة الأرضية! (هناك قاعدة عشرية للصيانة، وبالتالي على البيضاء برمجة اعتماد لصيانة 500 كلم سنويا (ما يوازي المسافة بينها وبين أكادير) إلا أن قلة الموارد تدفع الدارالبيضاء إلى صيانة 71 كلم فقط، أي ما يوازي المسافة الفاصلة بينها وبين أزمور).
لا يعقل أن تبقى الأحزاب حبيسة خطاب حقير كلما تعلق الأمر بالنقل الحضري. فهناك صندوق خاص لدعم النقل الحضري بالمدن موضوع تحت وصاية وزارة المالية وتتصرف فيه وزارتا التجهيز والداخلية في حدود 200 مليون درهم (20 مليار سنتيم) لكل وزارة، ولا يوجه هذا الدعم إلا لمدينتين أو ثلاث مدن على أبعد تقدير لعدم جرأة المسؤولين في الاقتباس من إشراقات العقل الكوني (خاصة في أوروبا) حيث لا يسدد المواطن هناك سوى 30 إلى 35 في المائة من القيمة الحقيقية لتذكرة النقل الحضري، بينما الباقي تسدده الجماعات المحلية والوزارات والمقاولات (والغرف المهنية) والجهة مما يؤدي إلى توفير الدعم الكافي لبناء وتسيير شبكة نقل حضري هائلة وراقية وأنيقة ومنضبطة.
إن سنة 2013 سنة انتخابية بامتياز لاختيار من سيسير المدن والجهات (في حالة اعتماد الجهوية الموسعة في العام الحالي مع ما سيترتب عن ذلك من اختصاصات واسعة)، والوالي بوسعيد شأنه شأن باقي «خدام الدولة الآخرين» هو مجرد مأمور لأداء دور محدد في ثلاثة أو أربعة أعوام.. ومن كان يعيش في ظل بوسعيد فبوسعيد قد يرحل أو يعين في مهام أخرى، ومن كان يعبد الدارالبيضاء فعليه أن يشمر على ساعديه ويظهر لنا «حنة يديه». وأي حزب قال «العصيدة باردة يزيد للمرميطة». وإن لم تكن الأحزاب قادرة على توفير مرشحين مهووسين برفع الإيقاع، فالأجدر بالنسبة للقصر أن «يؤمم» المدن الكبرى حتى تنضج الظروف وتبلغ النخب الحزبية «سن الرشد السياسي الوطني».. فلقد بلغ السيل الزبى، ولم تعد للمواطنين قدرة على تحمل عذابات تسيير منتخبين ينتمون لقسم الهواة.» افتتاحية العدد502 الخميس 17 يناير2013 من الوطن الان