هنا في مهرجان "كان" تطرق النمساوي ماركوس شيلنزر لموضوع الاعتداء الجنسي على الأطفال....عندنا في المغرب غالبية الأفلام تتطرق للبوادي ولا نكف عن تصوير الدواب التي لن تتكلم مهما انتظرنا..... هنا في "كان" تطرق الأمريكي وودي ألين لقصة إنسانية مرر من خلالها بشكل رائع اعترافا صريحا بالحب لباريس....عندنا في المغرب قضينا الدهر كله في تصوير الدارالبيضاء ليلا و نهارا و دفعنا بالشياطين و الملائكة للرحيل لأننا نرهقها بقليل الكاميرات المتوفرة لدينا....
هنا في "كان" تطرقت البريطانية "لين رامسي" لموضوع علاقة الأم بالإبن وسبب التوتر الذي قد ينتهي بمآس إنسانية....عندنا في المغرب ننتقل مباشرة لتصوير علاقة الإبن العاق بأسرته لأن المخرجين يرقبون دوما النهاية قبل الاطلاع على البداية....
هنا في "كان" تطرق الإيطالي "ناني موريتي" لتوثر البابا وسرب الوهن للفاتيكان....عندنا في المغرب لا يمكن الاقتراب من الأضرحة و المساجد وإن بحسن نية و إن تم الأمر فلتقديم مشاهد فلكلورية.... هنا في "كان" توجد السينما....عندنا في المغرب نبحث أو بالأحرى نتيه عن السينما....
واسع الجبهة لا يخجل أبدا ....معنا هنا في كان.... مسيلمة يوجد في قاعة "Palais D" في قلب "الكوت دازير"....الدانماركيون بدورهم لديهم مسيلمتهم على الأقل في السينما....شريط مخرجة بلغت بالكاد ستا وعشرين سنة "روفت"....قدم يوم أمس....شخصية محورية وحيدة في الفيلم....رجل ستيني يكذب ليكون أول المسارعين للوثوق بكذبته....رجل لا يقوى على المكوث يوما واحدا قبل أن يتطوع لإيذاء الآخرين.... مسيلمة الدانماركي يكذب ويفتري ويصيب السكندنافيين بجهالات كثيرة....مخرجة "روفت" هي مالكة قرارها ....قررت توجيه بطلها نحو المعاناة وافضل الطرق تركه على حاله يصول ويجول في غياهب الوهم....يتقن ركوب الموج ويتبنى إنجازات الآخرين وعند الدانماركيين كما تعلم سيدي القارئ.....الإنجازات رياضة وطنية للدانماركين ذهبية غالبية أوزانها.... أجمل ما في الشريط أن مسيلمة الدانماركي يؤذي وعندما يؤذي يتوجه بمحض إرادته للضحية ليسأله عن أحواله....يتردد لأن الضحية يتفاداه....يتراجع ويتقوقع....لكن مسيلمة المنتقل من الهواية إلى الاحتراف....يواصل لأنه يعاني....لأن روحه تكذب على جسده و لأن جسده يتحمل...هو من دعاة تقسيم الجسد الواحد..... في "روفت" تحية من بطل الشريط "يوركن" لكل رفاقه ....لكل مسيلمات العالم من الأفاكين و المفترين....لعنهم الله إلى يوم الدين....شكرا "لوركا" على "روفت"....شكرا لأن "روفت" فيلم يمكن أن تشاهده كل الجنسيات لأن كل مشاهد يعايش في يومياته مسيلمة ينتشر في الأرض....و يلوث دون توقف....
مع "براد بيت" للنجومية معنى.... براد بيت هو من تكفل بمقارعة الصحافيين في الندوة الخاصة بشريط تيرانس ماليك شجرة الحياة" "the tree of life" ..... الشريط عرض على أنظار ممثلي وسائل الإعلام....و من بين ثلاثة آلاف من الراغبين في معاينة العمل....بالكاد عبر نحو أربعمائة منهم إلى القاعة الكبرى lumière....البقية عليهم الانتظار إلى أن يجد المنظمون حلا لإرضائهم....الفيلم كالمرتقب جلب وسيجلب أكبر عدد من المشاهدين....الوحيد القادر على منافسته جماهيريا هنا في كان هو "لارس فون تراير" الذي سيعرض "ميلونكوليا" قريبا.... ما القاسم المشترك بين الرجلين...."تيرانس ماليك" يصور "براد بيت" آخر...."براد بيت" جديد ,"براد بيت" "ميستر أوبراين" ...."ميستر أوبراين" الذي ينسي الكل أدوارا سابقة للنجم الأمريكي الأول....ماليك هو الوحيد الذي بإمكانه أن يجعل من أدواره بيت في "دو ميكسيكن" و "بينجامين بوتون" و "ميستر أند ميسيز سميث" و "إينكلوريوس باستيردس" مجرد تسخينات قبل دخول تجربة الحياة في "شجرة الحياة""the tree of life" ...الأمر نفسه قام به "لارس فون تراير" مع "شارلوت كاينسبورك"....الفرنسيون بهدلوها سينمائيا لسنوات....الفرنسيون الذين يتبنون مبدأ الأستاذية اعتبروها ممثلة عادية لا تصلح إلا لإكمال الكاستينغ في أفلام تسند أدوارها الأولى لشيوخ معتوهين....أتى "لارس فون تراير"....منحها الدور الأول في "أنتيكريست" قبل عامين....حصلت على جائزة أحسن أداء نسوي....سارع الفرنسيون إلى إعادة احتضانها كما فعلوا مع "ماريون كوتيار" و "زين الدين زيدان" و "ميشيل بولناريف".... الفرنسيون على خلاف الأمريكيين يخطئون التقدير في السينما ....لكنهم على الأقل على خلافنا نحن مني بني العرب يسارعون للتكفير عن خطئهم...."شارلوت كاينسبورك" ستعود هذا العام مع "فون تراير" سيستقبلونها استقبال الكبار.... "تيرانس ماليك" و"لارس فون تراير" يرفضان الحديث لوسائل الإعلام....ينتجان أكثر مما يتكلمان....عندنا في بلاد العرب ....المخرج المتميز والذي لا ينتج....هو الذي يطلب بطاقة الانخراط و بطاقة حضور المواعيد السينمائية....المشهد صوره الصحفي الأمريكي الشهير "بوب وودورد بقلمه"....قال إن المخرجين الذين يكثرون اللغط مثل الصحفيين الذين لا يستخدمون القلم ومع ذلك يسارعون للانتقاد....لا يرصون سطرا واحدا ...يضحك وهنهم على محاولات الآخرين....عندما يضطرون يعيدون قراءة القصاصات التي خطها أسيادهم.... على الأقل لي قلم استخدمه....وسأحسن استخدامه أكثر في المستقبل....