لا فرق، في نظري، بين جملة بسيمة الحقاوي الشهيرة"أنت غير متدين" وبين الطريقة التي تعامل بها بعض الصحفيين وفناني الكاريكاتير مع خبر ترؤس الوزير نبيل بنعبد الله للوفد المغربي الرسمي إلى الحج. إنه نفس الموقف ونفس الرغبة في شق الصدور واحتكار الدين، ولكي يضحك هؤلاء ويسخروا، كتبوا عن الشيوعي الحاج، ورسموا مطرقة ومنجلا، أي ما يعني، في نظرهم، أن كل من كان شيوعيا، وكل يساري، لا يحق له أن يحج، وأن يكون مسلما.
والأدهى أن ذلك لم يأت من إسلاميين هذه المرة، بل من أشخاص يدعون الحداثة وديمقراطيون زيادة ومناضلون لا يمكن أن ينافسهم أحد في ذلك. هي نفسها طريقة تفكير الريسوني وباقي الشلة، إذ لا يوجد إلا الأبيض والأسود، المؤمن والكافر، والعلماني والإسلامي، والملحد والمتدين، مانوية في التفكير وفي توزيع الصكوك، تحكم حتى الذين يدعون أنهم عكس ذلك.
هذا دون الحديث عن الجهل، وعن جعل حزب التقدم والاشتراكية شيوعيا رغما عن أنفه، وحصره في الماضي، حين كان فعلا كذلك، وكان ستالينيا ويتبع الاتحاد السوفياتي، بينما هو الآن شيء آخر، وأقرب أحزاب اليسار إلى الليبرالية.
هذا الشكل من التمييع هو نتيجة لما تربى عليه جيل الصحافة المستقلة، التي يتغنى بها أصحابها إلى حد الساعة، والتي أنتجت هذا النوع من التفكير وتعودت على إطلاق الأحكام وعلى سخرية تمنح للقراء مايريدونه وبالمجان ودون حساب، إلى أن حصلنا في النهاية على قراء وصحافة يشبهان بعضهما البعض، وأصبح الشعار هو اعطني كل يوم جرعة جهل وغباء وسأصفق ولك وأشتريك، وكل من يخرج عن ذلك، لا يحق له أن ينتمي إلى هذه المهنة، ولا يحق له أن يكون قارئا محترما، وهو ما أكدته وكرسته وبصمت عليه المواقع الإلكترونية، التي ذهبت أبعد في إرضاء الجمهور وتنويع طبق الجهل الذي يفضله. لنقرأ الرسالة إذن، نبيل بنعبد الله لا يحق له أن يحج، إنه متنكر فقط في صورة حاج، أما إذا كان هناك مضمون ثاو غير هذا، فأنا لم أفهمه، وأعترف بأني أعاني من قصور بخصوص هذه المسألة وأحتاج إلى من يشرح لي الحكمة الكامنة خلف ذلك.
هكذا، وبما أن الأمر يتعلق بالتوجه السياسي للوزير، فإني أفهم، وحسب تصنيف هؤلاء الصحفيين، أن هناك أحزابا يجوز لها الحج وأخرى لا، ولكي نساعد بعضنا لنضع لائحة نحدد فيها ما يجب الحسم فيه في ما يخص هذه النقطة الحساسة، ونبدأ مثلا بالعدالة والتنمية، إنه حزب إسلامي وطبيعي أن يحج، ثم الاتحاد الاشتراكي، وهو، في هذه الحالة، بين بين، لأن فيه وطنيون وقوميون ويساريون وبعض الماركسيين، الذي كانوا يعتقدون أن الدين هو أفيون الشعوب، هؤلاء يجب أن نضع جردا لهم لنمنعهم من السفر إلى الديار المقدسة لأنهم مشبوهون، مقابل الترخيص للبقية، في حين لا ضير أن يحج حزب الاستقلال والحركة والأحرار، أما الأصالة والمعاصرة فيقع عليه ما يقع على الاتحاد، يحج أعيانه دون مشاكل، بينما يمنع يساريوه، حسب التصنيف الرائج في الصحافة، وإذا ما فكر منتم للنهج بالحج، فيجب القبض عليه في الحين ودون تردد، والأسباب طبعا معروفة ولا تحتاج إلى شرح.
أحدهم يعتبر نفسه يساريا جدا وضع كلمة الحاج بين معقوفتين، كما لو أنه يأمر الوزير أن يبرىء نفسه ويشهد الشهادتين، ليزيل المعقوفتين بعد ذلك، وإلا.... ثم يأتي بعد ذلك من يقول لك هيا نوحد اليسار!