على بعد ساعات من افتتاح أبواب مراكز الاقتراع تبدو تونس العاصمة هادئة، إنه يوم الصمت الانتخابي كما يسميه التونسيون، بعد نحو 22 يوما من حملة انتخابية حامية. عناوين صحف اليوم تهيمن عليها أخبار العملية الإرهابية التي كادت أن تكدر أجواء الحملة التي اختتمت منتصف ليلة السبت الماضي. وكما العادة في نهاية كل حملة انتخابية تستعرض القوى السياسية المتنافسة فيها قواها، وتطلق آخر "رصاصة" في جعبتها. وكانت الأنظار أمس مشدودة إلى أكبر متنافسين في هذه الحملة بين أكثر من 120 حزب تونسي، وهما حزب "النهضة" الإسلامي، وحزب "نداء تونس" الذي يضم مجموعة من شتات الديمقراطيين واليساريين والحداثيين ورجال النظام السابق. حزب "النهضة" الذي اكتسح انتخابات المجلس التأسيسي، اختار الشارع لتنظيم أكبر تجمع يختتم به حملته الانتخابية. وشهد اللقاء الذي نظم بشارع بورقيبة، في قلب العاصمة تونس بساحة الثورة، حضور زعيم "النهضة" التاريخي راشد الغنوشي. المنظمون قدروا عدد الحضور بأكثر من مائة ألف، لكن العدد كان أقل بذلك بكثير. كان الشعار الجديد الذي تردد أكثر من مرة يقول "الشعب يريد النهضة من جديد، الشعب يريد النهضة من حديد". فالكثير من قواعد "النهضة" الراديكاليين انتقدوا تجربة حزبهم في الحكم ووصفوا آدائه ب "الأيادي المرتعشة"، في إشارة إلى التنازلات التي قدمها الحزب وكان أكبرها وآخرها هو خروجه من الحكومة. لكن، الغنوشي، الذي يعود إليه الفضل في لجم الأصوات الراديكالية داخل حزبه، رد على أنصاره بالقول إن الشعار الصحيح هو: "الشعب يريد النهضة من جديد"، فقط لا غير، قبل أن يطمئن أتباعه بأن الحزب الذي يتخلى عن السلطة طواعية يمكنه أن يستعيدها بسهولة. وعلى عكس الغنوشي، اختار الباجي قائد السبسي، زعيم حزب "نداء تونس" أن يتوجه إلى التونسيين عبر القناة الخاصة "نسمة"، من خلال برنامج بث في نفس التوقيت الذي كانت فيه قنوات أخرى تنقل البث المباشر لكلمة الغنوشي أمام أتباعه. وسينتبه متتبعو لقاء السبسي إلى تحية الرجل الذي بدأها ب "صباح الخير" فيما كان البرنامج يبث مساء، وهو ما يعني أن اللقاء سجل صباحا، وبرمج ليبث بالتزامن مع كلمة غريمه الغنوشي. خلاصة كلام السبسي لخصه شعار حملة الحزب "voter utile"، أي التصويت لمن سيقف أمام مد "النهضة". وبعد هذا الثنائي "النهضة" و"النداء من أجل تونس" الذين ترشحهما استطلاعات الرأي لاحتلال الصفين الأول والثالث، يتم الحديث في صالونات تونس العاصمة عن "حصان أسود" اسمه سليم الرياحي، الذي قدم لائحته تحت يافطة حزب صغير هو "الاتحاد الوطني الحر". ويستمد هذا الاسم المغبون قوته من رئاسته للفرقة الرياضية "النادي الإفريقي"، ومن كونه كان "رجل أعمال" النظام الليبي، ويعتقد أنه هو من "ورث" ثروة أبناء معمر القذافي، وبها يقود حملته الانتخابية الحالية وحملة ترشح للرآسة التونسية بعد شهر من الآن. وفي المركز الرابع والخامس، ترشح استطلاعات الرأي قوائم "الجبهة الشعبية" التي تضم شتات اليسار، وقوائم "حزب المؤتمر" الذي يترأسه الرئيس التونسي المنتهية ولايته المنصف المرزوقي مدعوما من بعض القوى الثورية. لذلك يقال إن انتخابات يوم الأحد 26 أكتوبر 2014، ستكون بطعم السياسة والأيديولوجيا والمال والرياضة والإرهاب الذي يهدد بنسفها. وبعد ثلاث سنوات على قيام الثورة التونسية يجد التونسيون أنفسهم أمام قرار تاريخي صعب للحسم في مآل ومستقبل ثورات الربيع العربي التي انطلقت من بلادهم. وخلال السنوات الثلاثة الماضية جرت الكثير من المياه تحت الجسر. فهذه أول انتخابات تشريعية تجري في تونس بعد تبني دستور جديد حصل على توافق القوى السياسية وإجماع الشعب التونسي. لكن التونسيين الذي جمعتهم شعارات الثورة بالأمس تفرق بينهم اليوم السياسية، وهذا من طبيعة الديمقراطية التي يسعون إلى بنائها.