اعاد قرار وزير التربية الوطنية محمد الوفا النقاش حول مساهمة مدراس التعليم الخصوصي في تأزم وضعية المدرسة العمومية، من ظلمات الهمس والنقاش الخافت إلى جدل عمومي تفاعل معه إيجابا كل الغيورين على مستقبل الناشئة وتعليمها. فإلغاؤه للمذكر 109 التي يستفيد بموجبها أساتذة التعليم العمومي من تراخيص، أصبحت تلهيهم عن أداء رسالتهم داخل أقسام الدولة التي تناولهم رواتبهم كاملة من جيوب دافعي الضرائب كل شهر، وما قام به الوزير ليس اختراعا أو سبقا وزاريا، فقد طبق كما صرح ل " كود " سابقا بنود الاتفاق الذي جمع بين الوزير الأول السابق وأرباب المدارس الخصوصية والقاضي باستفادة الأخيرين من 20 في المائة من الموارد البشرية الخاصة بالتعليم العمومي على مدى أربع سنوات وبالمقابل تعمل المؤسسات الخصوصية على تكوين أطرها من خريجي الجامعات لتتمكن من توفير مواردها البشرية القارة. وفي سياق البحث عن إحصائيات دقيقة عن عدد الأطر التربوية والإدارية التي تشتغل بشكل قار داخل التعليم الخاص، تعذر الوصول إلى أرقام حقة نظرا لغياب تصريح بعدد العاملين في قطاع التعليم الخاص نظارا للتخوف من الأداء الضريبي، وهو ما كشفته تصريحات صحفية سابقة تفيد تصريح 32 مؤسسة خصوصية فقط من أصل 800 تنشط في القطاع بعدد أساتذة التعليم العمومي الذين يشتغلون عندها. المدارس الخصوصية تحرم العديد من تلاميذ من جودة التعليم العمومي وتتقل كاهل الآباء بآلاف الدراهم شهريا. أب شاب في الثلاثينات من عمر صادفته " كود " قرب أحد المحلات التجارية يروي كيف أصبح يعاني مع طفليه الذين يتابعان دراستها في التعليم الأساسي بسب الساعات الإضافية، ويصرح ل " كود " أن الأساتذة الذين يتعاقبون على ابنيه في مختلف المستويات منذ الرابعة ابتدائي يفرضون بشكل غير مباشر على التلاميذ هجرة الأقسام العمومية والبحث عن المعرفة خاصة اللغة الفرنسية داخل أقسام الخصوصي. وأكيد أن حال مجموعة من الأمهات والآباء وأولياء الأمور أشبه أو أكثر مأساة من متحدثنا، فالأطفال والمراهقين داخل مختلف المستويات الابتدائية والثانوية الإعدادية والتأهيلية يفرضون على دويهم أداء مبالغ مالية إضافية نهاية كل شهر تتراوح بين 100 و200 درهم للتعليم الابتدائي والثانوي الإعدادي وتصل إلى 1500 درهم في مؤسسات خصوصية ذائعة صيت بوسط مدينة الدارالبيضاء، والتي تصادفك لائحة أثمنته حسب المنتوج الذي تريد في موقف السيارات وعند إشارات المرور، هذا دون أن نذكر بعض أولياء الأمور الذين يفضلون استقدام أساتذة إلى البيت وتصل هنا قيمة الساعة الواحدة مع التلميذ منفردا 200 درهم على الأقل. ولا يقف الأمر عند أداء أقساط الساعات الإضافية بل يتحول إلى استقطاب التلاميذ من المدرسة العمومية نحو الخاصة، نظرا لتقص الجودة وبدل جهد أكبر داخل " سكويلة المخزن " فيلعب الأستاذ والأستاذة هنا دور " وكيل إشهاري " عند أرباب التعليم الخاص. ضياع فرص الشغل. الأمر هنا سهل فهمه ويمكن أن تزور أي مؤسسة تعليمية بنية تسجيل أحد أبنائك، وتدخل في نقاش هامشي مع المعلمات والمعلمين في التعليم الأساسي، فإن كان من موظفي الدولة سيتحدث لك عن الكريدي ديال الدار والطونبيل والفراش وأنه يقضي ساعات من يومه بين أحضان الخصوصي ليعوض أجرته الشهرية، أما إذا تعلق الأمر بشباب وشابات ليس لهم دخل سوى المؤسسة التي يشتغلون عندها فسيبتدئ معك الحديث بالراتب الذي لا يتجاوز في أحسن الأحوال في غالبية المؤسسات 3000 درهم ومنهم من لا يتوفر على ضمان اجتماعي أو تأمين عن الشغل ويشتغلون دون عقد عمل أو بعقد مؤقت يجبرهم على التخلي عن كافة الحقوق. وتكون رؤيتهم تجاه أساتذة العمومية حاقدة لأن هذا الأخير يشتغل بنفس جهدهم وأقل دون حاجة إلى إثقال كاهل رب المؤسسة بمصاريف اجتماعية إضافية. وحول طريق الأداء التي يقبل بها أساتذة التعليم العمومي سألت " كود " أحد الأستاذة المرسمين في الخاص فقال " هم يستفيدون من امتيازات عديدة ويتفقون مع مدراء المدارس بما يعرف ب " الفورفي " أي عدد الساعات التي سيدرسها " وأضاف " أساتذة التعليم العمومي يأخذون التعويض حتى عن أيام العطل داخل الموسم الدراسي " وأوضح قائلا " لأن تلك العطل تستثمرها المدارس الخصوصية لتنظيم ساعات إضافية مكثفة تكون قيمتها أكبر خاصة مع قرب الامتحانات " . متحدثنا قال إن بعض الأساتذة لا يأخذون تعويضهم نقدا بل يستفيدون من الأقسام وأروقة المؤسسات كي يستقطبوا تلامذتهم في العمومي للاستفادة من دروس الدعم والتقويم. ملايين الدراهم تضيع على صناديق التقاعد والضرائب ووكالات التأمين. هنا سنبتدئ بحيلة يقوم بها بعض أرباب الخصوصي في التأمين عبر شهادات استقتها " كود " من العارفين بخبايا القطاع. كل أب أو أم مطالبين عند تسجيل أبنائهم بأداء شهور تسبيقية عن الدراسة بالإضافة إلى واجبات التسجيل ورسومه وواجبات التأمين التي تكون قيمتها في أصغر المدارس 600 درهم للتلميذ، ويفترض أن يذهب المبلغ إلى وكالات التأمين، يحصل ذلك لكن بشكل مغاير، فبعض أرباب المدارس يقومون بتأمين جماعي إذ يتحول التلاميذ والتلميذات إلى أرقام عوض أسماء مسجلة لدى شركات التأمين، وتعد هذه الخدمة أرخص أكثر تحكم فيها عند وقوع الحوادث. أما في ما يخص صناديق التقاعد فالتعليم الخصوصي وبناء على ما ذكرناه سابقا لا يكابد نفسه عناء التبليغ عن الأستاذة المشتغلين عنده لأن أغلبهم موظف عمومي والدولة تتكلف نيابة عنهم بأداء مستحقات التقاعد، أما بنسبة للأجراء الخاصين بهم فقلة هم المحظوظين الذين يستفيدون من حقوقهم الاجتماعية كاملة. أما الضرائب فالرقم يعبر عن نفسه 32 مؤسسة فقط من أصل 800 تعمل في قطاع التعليم الخاص من تكشف لوائح أساتذة التعليم العمومي المستفيدة من خدماتهم، هؤلاء معروفون فما بالك بأجراء غير مهيكلين من أصله. خلاصة القول قرار إلغاء المذركة 109 سليم، وإن لم يتم التفاعل معه بشكل إيجابي، إذ قوبل من طرف البعض بشعبوية الأستاذ والأستاذة والمعلم والمعلمة " مساكن "، ووصفه البعض الآخر بالمتسرع متناسين أن المذكر مؤرخة ب ( 3 سبتمبر 2008 ) أي مرت أزيد من أربع سنوات دون أن تؤطر المؤسسات مواردها البشرية. فلا يعقل أن يمضي الأستاذ العمومي أزيد من 30 ساعات داخل أقسام الخصوصي، وهو يمنح لأبناء الشعب 18 ساعة فقط وأقل.