"معاداة العنصرية هي شيوعية القرن الواحد والعشرين"، هذه الجملة لنابغة زمانه، ال"فيلسوف" الفرنسي الفذ آلان فينكييلكروت، هي أول ما يصادفه القارئ ما إن يفتح رواية "الأخ الصغير" لكاتبها الصحفي "المثير للجدل" )كما تقدمه وسائل الإعلام التي يشتغل، بالمناسبة، في العديد منها ( إيريك زمور، الصادرة سنة 2008 عن دار دونويل بباريس، وهي "رواية متبصرة حول الفشل المأسوي للاندماج وأكاذيب نخبة معينة" كما يقول عنها الناشر، طمعا بالتأكيد في اصطياد فئة معينة من القراء. فئة حتى لو أنني لا انتمي مبدئيا إليها فإنني اشتريت الرواية؛ فأنا ربما أعاني، دون وعي مني، بمرض المازوخية، كأي "عربي" يحترم نفسه كما يؤكد ذلك المحللون النافذون في العلم، وهم كثيرون، المتخصصون في نفسية "الإنسان العربي". لكن والحق يقال، لم أكد أنتهي من قراءة الصفحات الأربع الأولى من "الأخ الصغير" حتى بدأت أشعر أنني أغرق في طوفان من الخراء. لم يكن لدي خيار آخر، كي أفلت بجلدي، سوى رمي الرواية إلى أبعد نقطة ممكنة. بعد ذلك مباشرة، توجهت مسرعا إلى المرحاض كي أتقيأ ثم إلى الحمام. ملئت حوض الاستحمام عن آخره بماء ساخن، تتخلله قطرات من جافيل، و غطست فيه وأنا أفرك في نفس الوقت روحي بكؤوس من الويسكي الخالص. لم أقف عند هذا الحد بل إنني ذهبت، بعد الحمام، عند صاحبة المكتبة التي اقتنيت منها الرواية كي تعيد لي نقودي، لكن أمام رفضها القاطع واستهجانها لتصرفي، كتبت للناشر وأنا أسئله، محتجا، كيف يعقل أن يصدر رواية مثل هاته. كان جوابه، بعد حوالي الأسبوع، مقتضبا، هادئا ولبقا:" سيدي العزيز، نحن في فرنسا وفرنسا، في حالة ما كنت تجهل الأمر، بلد يحترم حرية الإبداع والتعبير. على كل حال، فنحن لم نجبرك على اقتناء الرواية. مع كامل الاحترام والمودة. كنا في أواسط سنة 2008، ولم تكن قد مضت حينها على حصولي على الجنسية الفرنسية إلا سنتين أو أقل، كان "الإنسان العربي" المتوحش، غير المتحضر، لا يزال يعشعش بداخلي و يهيمن كليا على عقلي ووجداني، مكبلا إياي بسلاسل الجهل والتخلف. لحسن الحظ، جرت مياه كثيرة تحت الجسر منذ ذلك الوقت و تمكنت، بعد صراع مرير مع "الوحش"، مع "اللص"، مع "تاجر المخدرات"، مع "مغتصب النساء"، مع "القاتل الغادر"، مع "الإرهابي"، الذي كان يستوطن روحي، من طرده منها إلى الأبد. لا! لم تكن طريقي نحو الخلاص سهلة بل مفرشة بالشوك، سال مني دم كثير، نزفت روحي، تعثرت أحيانا كثيرة وكدت أن أفقد كل أمل في الخلاص لكن وبفضل "عقول نيرة" من أمثال إيريك زمور، آلان فينكييلكروت وكل زمرة "الرجعيين الجدد"، استطعت، بعد أن قرأت أعمالهم بروح متحضرة، أن أطأ ضفاف الخلاص وأن أعانق أخيرا النور و لحقيقة: الشيوعية سرطان خبيث، الإسلام سرطان خبيث، العرب سرطان خبيث، السود سرطان خبيث، معاداة العنصرية سرطان خبيث… نعم إيريك، فرنسا دولة عظيمة، ذات تاريخ مجيد، شيدها البيض والبيض وحدهم. أما الآخرون، فهم بمثابة كائنات طفيلية لا يمكنها أن تساهم في إشعاع "الروح الفرنسية"، هؤلاء لا هم لهم سوى نهب و استنزاف خيرات البلاد وتشويه جمالها والتنكيل بمواطينيها الشرفاء. علينا فعلا أن نتدارك الأمر قبل فوات الأوان، قبل أن يصبح حقيقة هذا الانحطاط الذي يتربص بفرنسا الأبدية، ما تسميه أنت بحق "الانتحار الفرنسي" . علينا، إذا لم نستطع استئصال هذا السرطان الخبيث الذي يهدد وجودنا أن ننشأ، وذلك أضعف الإيمان، محميات في جبال الجورا أو الألب، نزج فيها بالأفارقة السود والعرب ما دامت عقولهم غير قادرة على استيعاب قيمنا، قيم الحضارة، قيم الحرية، قيم الانعتاق… اليوم، أصبحت رجلا "أبيضا" مثلك تماما إيريك وها أنا أضم صوتي إلى صوتك لنغني سوية بكل جوارحنا وبكل قوانا نشيدنا الوطني المجيد، من أجل فرنسا بيضاء، طاهرة، نقية إلى الأبد: هيا يا أبناء الوطن فيوم المجد قد وصل! ضدنا قد تم رفع علم الطغيان الملطخ بالدم ألا تسمعون في أريافنا هؤلاء الجنود الشرسون يزمجرون يأتون حتى أحضانكم لذبح أبنائكم ونسائكم تسلحوا أيها المواطنون شكلوا كتائبكم فلنسر! فلنسر! وليروي دم نجس أخاديدنا الخ…