الملك يترأس جلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء        أخبار الساحة    الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب        بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    تولي إيلون ماسك لمنصب سياسي يُثير شُبهة تضارب المصالح بالولايات المتحدة الأمريكية    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل        الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكتابة النسائية في الرواية العربية المعاصرة رواية الملهمات لفاتحة مورشيد (الجزء الأول

ذ.الكبير الداديسي/ لعل من بين ما يميز الرواية العربية المعاصرة اقتحام عدد كبير من الكاتبات غمار الإبداع السردي، فبعدما خلا تراثنا من كاتبات في السرد بخلاف الشعر الذي سطعت فيه بعض الأصوات النسائية على نذرتها، وبعدما ظل عددهن محسوبا على رؤوس الأصابع في العصر الحديث، فإنه غدا من الصعب في الفترة الراهنة مواكبة كل الأعمال السردية التي تفيض عن مخيال النساء، بل منهن من أضحى رقما صعبا في الإبداع الروائي يستحيل دراسة أي محور في الرواية العربية المعاصرة دون الإشارة إلى أعمالهن، ومنهن من تفوق على الروائيين الرجال كما و نوعا، وأمست أسماء مثل سحر خليفة ،حنان الشيخ ، أحلام مستغانمي، قمر كيلاني، فوزية رشيد ، لطيفة الزيات، غادة السمان ،هدى بركات واللائحة طويلة... تفرض إسمها في صدارة لائحة كتاب الرواية المعاصرة... ومنهن من تشق طريقها بثبات وتبشر إصداراتها الأولى بمشروع روائية من العيار الثقيل إن هي استمرت في العطاء ...
نفتتح سلسلة الروائيات العرب ( في انتظار العودة إلى كاتبات أخريات في أعداد لاحقة ) بشاعرة وروائية من المغرب، وإن لم تصل بعد إلى مصاف الرائدات، فإنها تسير بخطى حثيثة نحو إيجاد مكان لها ضمن الروائيات العربيات، إنها الصحافية وطبيبة الأطفال فاتحة مورشيد، فبعد ستة دواوين شعرية وحصولها على جائزة المغرب للكتاب عن ديوانها "ما لم يقل بيننا" مناصفة مع ديوان الشاعر المغربي محمد عزيز الحصيني "أثر الصباح على الرخام".. وبعد روايتي (لحظات لا غير) و (مخالب المتعة)، صدرت لها عن المركز الثقافي العربي ببيروت رواية (الملهمات) سنة 2011 في 205 صفحة من الحجم المتوسط وهي موضوع حديثنا اليوم ...
تحكي رواية (الملهمات) تجربة شخصيتين من حلال قصتين متوازيتين تسيران في مسارين مختلفين، يحكي كلَّ واحدة ساردٌ مختلف عن سارد الحكاية الأخرى:
- الحكاية الأولى تحكي فيها شخصية أمينة تجربتها الشخصية وهي تعيش تحت ضغط الموت : أم ماتت قبل الأوان، حماة ماتت مجازا وتنتظر حتفها (بعد إصابتها بالزهايمر) و زوج ميت مع وقف التنفيذ (بعد حادثة سير ماتت فيها خليلته المضيفة)، وبقيت وهي تراكم الجثث على نعش الانتظار[1] . استغلت غيبوبة زوجها الذي كانت تعلم بخياناته لها مع عشيقاته، فاكتشفت كيف حول شقة في مقر عمله إلى وكر لخياناته يستغله هو صديقه الأستاذ إدريس الكاتب الناجح جعلاه فضاء لمغامراتهما مع عشيقاتهما، لذلك قررت الانتقام لسنوات صمتها بالبوح ببعض أسرارها، بعدما نهشتها الوحدة (بين زوج في غيبوبة وحماة غائبة عن الواقع وأطفال غائبين عن البيت)[2] ، هكذا أطلقت عنان لسانها تسرد حيثيات علاقتها برسام فلسطيني تعرفت إليه، وعاشت معه علاقة حميمية بعدما سافر زوجها إلى ألمانيا مع سكرتيرته ؛ علاقة تجسدت بلقاءاتهما على أرض الواقع واستمرت في العالم الافتراضي يغازلان بعضهما عبر الشبكة العنكبوتية ... كانت أمينة تحكي ذلك لزوجها الممدود أمامها، وهي غير متأكدة ما إذا كان يسمعها أم لا، تخاطبه قائلة: (لا أعلم إن كنت تسمعني أم لا.. على وجهك سكينة مَن تعدى مرحلة القلق، واستسلم لقدره.. مخلفا ترف القلق لي. لا يعلم الأطباء، ولا الشيطان نفسه يعلم، إن كنت ستستفيق من غيبوبتك لتستأنف حياة تشبث بها بكل كيانك.) وما أن أنهت حكايتها حتى فتح زوجها عينيه ليغلقهما إلى الأبد ..
- الحكاية الثانية يسرد تفاصيلها الأستاذ إدريس (الكاتب الناجح) كاشفا منابع الإلهام لديه، مستعرضا لقطات من علاقاته مع نساء متعددات في محاولة للربط بين ممارسة الجنس والإبداع ، وإبراز مدى إجادة ( الكتابة بقلمين)، من خلال سرد تجارب جنسية مع نساء أذكين نار الكتابة لديه، سواء في شقة صديقه عمر أو في أماكن أخرى داخل المغرب أو خارجه ( ألمانيا والصين والخليج...) معتبرا النسوة اللواتي عاشرهن ملهماته، جاعلا من المرأة سبب أفراحه وأحزانه رابطا كل كتاب كتبه بامرأة معينة: (كل كتاب عندي مقرون بامرأة... كل فرحة عندي مقرونة بامرأة وكل انكسار كذلك)[3] ، لا يعتبر حياته إلا صنيع النساء: (أنا صنيع كل النساء اللواتي عبرن حياتي، بدءاً من التي منحتني الحياة، إلى التي أيقظت الرجل بداخلي، والتي فتحت لي باب الإبداع على مصراعيه، والتي جعلت قلمي يتألق، والتي كانت ورقة مبسوطة تحت يدي.) ، بعد استعراض مغامراته مع النساء، وفي نهاية روايته يميط الأستاذ إدريس ، في كتابه الأخير، اللثام عن سبب احتقاره للمرأة إذ يرتد السرد القهقرى ليلقي الضوء عن مرحلة حاسمة في حياته ، فمباشرة بعد وفاة والده وهو لا يزال طفلا يقول : ( اتجهت وسط الظلام إلى غرفة والدتي استجدي بعض الحنان ، لأجدها بين أحضان دادة الغالية في وضعية تفوق الحنان، كانت الواحدة تقبل الأخرى بشغف وقد تحررتا من ملابسهما)[4] ليعلق على الحدث قائلا: ( كان هذا الحدث أول زلزال في علاقتي بالنساء)[5]
على الرغم من الجرأة التي قلما عهدناها لدى الكاتبات العربيات، وأخذ القارئ إلى تجارب غريبة يتلاحم فيها الإبداع بالجنس، فإن التفكير الذكوري ظل متحكما في كتابة مورشيد، فسمحت للرجل ( الأستاذ إدريس ) بالبوح بكل تفاصيل تجاربه مهما كانت غرابتها وحماقاتها ، في وقت حتمت على أمينة الاقتصاد في حكي تجربتها الوحيدة خارج إطار الزوجية ، ومنعتها – عكس ما فعلت مع إدريس- من سرد خصوصية العلاقة، مكتفية بتلميحات عامة، بل دفعتها في مرات كثيرة إلى قبول خيانات زوجها ، و إلى تزوير الحقائق حفاظا لسمعتها وسمعة أبنائها تقول مخاطبة زوجها الممتد أمامها في غيبوبته: (مجبرة على لعب دور البطلة العاقلة.. على حفظ ماء الوجه ونعي عشيقة ماتت في حادثة سير لتحررك منها وتهديك إياي لا حياً ولا ميتاً وأصرح أمام الجميع "المسكينة كانت صديقة حميمة وأنا السبب في وجودها بسيارة زوجي" . مجبرة على حفظ ماء وجه أبنائك واسمك، مجبرة على جعل الإهانة إكليل شهامة على رأسي).. إن الكاتبة جعلت البطلة تتحمل خيانات زوجها، وتحافظ على تماسك أسرتها وتربية أبنائها، بل الاعتناء بوالدة زوجها حتى بعد وفاته، فقد افتتح آخر فصل في الرواية ب( وضعت أمينة قبلة على جبين حماتها التي لم تعد تبرح غرفتها .. وزعت المهام على العاملين ببيتها وركبت سيارتها لتصل مقر (منشورات مرايا باكرا كربة أعمال تحترم شغلها)[6] وكأننا بالكاتبة تسعى إلى تكريس خصوصية المرأة المغربية التي تضع الأسرة فوق أي اعتبار، وقد تقبل في سبيل ذلك المهانة وإلا فلم ترعى أمينة أم زوجها الذي كان يخونها، ومات في فضيحة مع عشيقته ، وتدعي الزوجة أن المضيفة من معارف الأسرة ، وأنها هي من طلبت منه إحضارها من المطار ..
يبدو من خلال حكاية إدريس التي أخذت القسط الأوفر من الرواية سعي المؤلفة إلى الربط بين الحب والإبداع ، إذ ربطت بين الكتابة عند إدريس وممارسته للحب يقول ( قصتي مع الكتابة ممزوجة بقصتي مع الحب ، حيث يصعب علي معرفة من منها سبق الآخر .. كل ما أذكره هو جلوسي إلى المكتب بعد أول ممارسة للحب عن حب لأمسك بالقلم .. كانت متعة مضاعفة .. كان تفريغ قلم يستوجب تفريغ آخر )[7] بهذه العلاقة بين الحب والكتابة انطلقت الكاتبة على لسان السارد تستعرض اللقطات الحميمية التي جمعت الكاتب الناجح بملهماته دون أدنى إشارة إلى العلاقات التي سماها إدريس (مع مومسات أو عابرات لعواطفي)[8] مبينة كيف تفاعلت كل واحدة مع هذا الكاتب الناجح الذي كان كما يقول(دائم الجوع للنساء... يحبهن لدرجة السادية)[9] ونذكر من هؤلاء الملهمات :
- هناء: كانت أول ملهماته ، على الرغم من شعورها بالاحتقار في أول لقاء لما تركها واتجه للكتابة ، فإنها (سرعان ما اعتادت على طقس الكتابة الذي يكمل طقس المعاشرة الجنسية .. مما جعلها تجتهد في إنجاح العملية الجنسية حتى أستمتع أكثر وأكتب أغزر)[10] كان للملهم الأولى أثر خاص فانتهت علاقتهما بالزواج، لكنها توفيت بعد ذلك بسبب سرطان الرحم ، كانت في علاقتها به متضايقة من تفاقم عدد المعجبات مدركة أنه إذا كان ( وراء كل رجل عظيم امرأة فأن أمامه نساء كثيرات مستعدات للقيام بالتضحيات نفسها حتى يستقيم لهن القلم.. وتستقيم له الكتابة )[11] ، هناك هي التي ألهمته كتابة القصة..
- ياسمين : كانت أول من دشن الشقة التي جهزها عمر(لأغراض إبداعية سامية ) الشقة التي سماها مختبر التجريب و(التجريب يستوجب تجريدا)[12] كانت طالبة تدرس عن الأستاذ الناجح ومن القارئات النهمات لقصصه، يقول بعد تجربته الأولى معها أن (مهاراتها الجنسية فاقت مهارات كل اللواتي عرفتُهن من قبلها كما تفوقت في دور الملهمة بامتياز)[13] يضيف (فمع كل لقاء بها أخط قصة بكاملها .. وهكذا أصدرت أول مجموعة قصصية كانت فتحا في التجريب بالمغرب)[14] وانتهت علاقتهما بعدما شعر بأنها تتفوق عليه في الكتابة ( فقد دفعها جموحها لكتابة قصص تشبه قصصي ... وحتى عمر طلبت منه أن ينشر لها ولولا أنه وفي لصداقاته ولي بالأساس ، لكانت سحبت البساط من تحت قدمي )[15] فكان ذلك سببا كافيا لاتخاذ قراره (من يومها اتخذت قرارا بعدم مصاحبة من لها مثل طموحي، ولا هي في نفس مجالي[16])
- لم تسلم من مغامراته حتى صباح صديقة أمينة التي حكت لها قصتها مع الكاتب الناجح متهمة إياه أنه (ربما يعرف استعمال قلم الحبر لكنه يجهل ما تنتظره امرأة من قلمه الخاص ) منتقدة هرولته للكتابة بعد الجنس تقول لأمينة ( تخيلي أنه بعد ممارسة الجنس مباشرة نهض مهرولا .. وبدأ يكتب من دون أن يلتفت إلي أو يكلمني.. وعندما انتهى ... أراد أن يقبلني كأنه فتح قوسا.. أبعدته بحركة وقلت له: البس ثيابك وارحل ولا تعد إلى هنا أبدا )[17]
- زينة : ملهمة من طينة خاصة لم تكن متعلمة ولا من معجبات الأستاذ الناجح وإنما هي مجرد خادمة أسند إليها عمر تنظيف شقته السرية ثلاث مرات في الأسبوع ، أثاره يوما منظر مؤخرتها وهي تمسح البلاط ، كانت تجربته معها فريدة يقول (لأول مرة عرفت متعة أن تهتم امرأة بحاسة ذوقي، معها أحسني بدائيا أقرب ما أكون من الطبيعة .. كان مجرد حضورها بالشقة يجعل قلمي ينطلق وتطيعني الكتابة ... كانت تخلق حولي عالما قريبا من رغباتي الحقيقية) [18] ( كل النساء أتعبنني بطريقة أو بأخرى إلا هي ، كانت عطاء مطلقا في صمت ... استمرت علاقتنا لسنة أو أكثر كتبت خلالها أنجح أعمالي)[19] ولم ينفصل عنها إلا بعد دخول شروق لحياته
- شروق :نجمة الغناء التي عاملت زينة بترفع واحتقار فانسحبت زينة من حياته (في هدوء مسلمة بأن المنافسة في مثل حالتها غير واردة)[20] تعرف عليها في إحدى السهرات ، أغواها بالكتابة بعدما سألته :ماذا تكب الآن؟ أجابها رواية بطلتها نجمة من نجوم الأغنية العربية. يقول (طلبت مني أن أكتب كلمات لألبومها الأول ... هكذا شرفت في عش الحب)[21] لكنهما سرعان ما افترقا لاختلاف طباعهما (هي تحتاج أن تنام على صدري (وأنا) أكتب بعد ممارسة الحب ... هي تنتظر مني كلمات لأغانيها وأجعل منها بطلة روايتي .. وأنا لي قلمان ينتظران أن أتفرغ لهما)[22] وكاد أن يتحول قرار فراقهما إلى مأساة عندما قطعت عروق معصمها محاولة الانتحار ، لم ينقده منها سوى عمر الذي حمل شروق لطبيب صديق أقنعها أن الفضيحة ستقضي على مستقبلها الغنائي ، على الرغم من كون شروق لم تكن ملهمة ولم يكتب إدريس أي شيء أثناء علاقته بها فقد صرح أن الإلهام كالدواء قد يأتي مفعوله متأخرا إذ كتب رواية (حكاية نجمة) بطلته نجمة للأغنية العربية عقب علمه بانتحار شروق في القاهرة.
- ثريا : زوجة شاعر كانت تحكي له عن غرور زوجها ، كانت (تظن أن بإمكانها ترويض شاعر .. وعندما يئست انتقلت إلى ترويض أصدقائه بلطفها وبراعتها في تنظيم الحفلات . يرجع لها الفضل في جعل اسمه يبرق في سماء الشعر نتيجة إتقانها للماركتينغ الثقافي) [23] يقول إدريس ( بدأت أتردد على صالونها في حضور زوجها .. ثم في غيابه .. كانت تسعد كلما كتبت شيئا بعد مضاجعتها، ربما تجد في هذا شيئا من رد الاعتبار لأنها لم تنجح في أن تلهم زوجها ولو قصيدة واحدة ) أثمر إلهامها أول رواية لإدريس يقول ( كتبت خلال السنتين اللتين قضيتهما بصحبتها روايتي الأولى فقبلها كنت أحترف القصة القصيرة .. أحس بالامتنان لثريا بصفتها فاتحة الرواية كما كانت هناء فاتحة القصة )[24]
- ريجينا :الفنانة التشكيلية الألمانية أحس أمامها بأن الكلام الذي يتقن لا ينفع شيئا ، لذلك قامت تجربته معها على لغة الجسد والحواس ( وما عرف قلمي فحولة شاهقة بهذه القوة) وفي آخر لقاء جمعهما (جهزت لوحة كبيرة بحجم سرير مريح ناصع البياض وضعتها على الأرض وأحاطتها بشموع صغيرة ... خلعت عني ملابسي، وخلعت عنها ملابسها ، ثم أمسكت بفرشاة وأخذت تصبغ كل قطعة من جسدي بلون مختلف وطلبت مني أن أفعل الشيء نفسه مع جسدها ... وما أن أصبحنا كفراشات الربيع حتى دعتني لأتمدد فوق سرير اللوحة .. ومارسنا الحب بكل ألوان الطيف ) بعد إشباع غريزتهما تأملتِ اللوحة التي أطلقتْ عليها اسم (نفس الصحراء) وعلقت: ( ليس من اللائق إضافة شيء للجمال)[25] ليكتشف في نهاية العلاقة في غرفة مجاورة عددا من اللوحات بنفس الحجم ، واستعدادها لتنظيم معرض للوحات العشاق الذين ساهموا في إضافة شيء لفنها ويستنج وهو الذي يراكم الملهمات ويعتبر ذلك جنونا ( بوجود من هي أجن منه تراكم بصمات الملهمين ورائحة أجسامهم أثناء فعل الحب في لوحات لتعرضها في معرض خاص)
- الملهمة الوحيدة التي أوحت له بكتابة قصة بقلم واحد ولم يعاشرها إدريس هي مغنية السوبرانو التي سمع صوتها لمّا كان بفندق بمدينة هانغشان الصينية ، أثر فيه صوتها الشجي وتخيل معاناتها في قصة اكتشف في ما بعد من خلال الكاتب الصيني الوحيد الذي يتقن اللغة العربية أن قصته لا تختلف في الجوهر عن قصة تلك المغنية وكانت جون كما يقول إدريس(أول امرأة تلهمني ولا أعرف منها سوى صوتها)[26]
- رجاء: - وهي صحفية سعودية - كانت آخر ملهمة تعرف إليها إدريس قبل إصابته بسرطان البروستات، عندما كان يقيم بفندق بالخليج ، مطلقة لها أربعة أطفال ، زارته لإجراء حوار وتطورت علاقتهما، وبعد مضاجعتها سألها عن سر وشم على شكل فراشة يمتد من صرتها على منبت شعرها ، لتحكي له رغبتها في المصالحة مع منطقة من جسدها كانت سبب كل مصائبها وفي آخر لقاء بينهما وكانت حائضا ، أخبرته أنها منذ وشمها لم تعد تخجل من جسدها ولم تعد تخاف من دم الحيض وإنما تراه( نبيذا أحمر يسيل من جداولي مرة في الشهر ليذكرني بالأنثى التي اخترت أن أكونها) شجعه كلامها على مضاجعتها وهو الذي قضى عمره يقنع النساء بأن ممارسة الجنس أثناء الدورة الشهرية مسألة طبيعية، يقول ( بعد ليلة حمراء على جميع المستويات تبولت دما ظننته في البداية من مخلفات دم حيضها ، لكنه تكرر بعد عودتي للمغرب وجعلني أستشير الطبيب الذي شخص لي سرطان البروستات لدي)[27] كانت رجاء آخر امرأة في حياة إدريس الجنسية وكانت المرأة الوحيدة التي مكث بين أحضانها ولم يحس بأدنى رغبة في الكتابة ، بل كانت المرأة التي أوقفت تدفق قلميه .
هكذا يعلن إدريس توقفه عن الكتابة وهو يعتقد أنه لا زال قادرا على الخلق وافتضاض بياض الورقة لكنه وهو الذي اعتاد الكتابة بقلمين يقول ( لا تستقيم لي الكتابة إلا إذا استقام لدي القلمان فالعلاقة بين القلمين وطيدة جدا حيث يعجز النسغ الأسود عن إخصاب الورقة إذا عجز النسغ الأبيض) ويكون ذلك سببا لاعتزاله الكتابة، لينتهي إدريس بعد هذا الكتاب متفرغا للقراءة مؤمنا أن ( فعل القراءة لا يحتاج إلى ملهمات)[28]
وبهذا تكون رواية الملهمات قد تغيّت الربط بين الجنس والإبداع ، من خلال حكاية كل من إدريس ، في رواية حسب رأي ناشر العمل- ( محكمة الحبكة وبالغة التشويق، متوغلة ببراعة في المناطق المعتمة من نفسية شخوصها) أما حكاية أمينة فلم تكن فيها أية إشارة لعلاقة الإبداع بالجنس عند المرأة. وكان حري بمورشيد الانتباه لذلك خاصة الكاتبة امرأة.. وكأنها لذلك تبيح الخيانة الزوجية ما دامت الخيانة مصدر إلهام ، إلا أن النهاية الدرامية التي وجهت إدريس إليها (سرطان البروستات) ووفاة هناء بسرطان الرحم الذي قد يكون انتقل إليها من تعدد شريكات زوجها .. يشفعان لها في الفكرة المطروحة من قصور.. من خلال إبراز مصير من لا يلتزم في علاقاته الجنسية .
إن رواية (الملهمات) تعكس بحق امتلاك الكاتبة للآليات والأدوات الفنية اللازمة لسبر أغوار الذات الإنسانية ومعالجة مواضيع شائكة ومعقدة تكون فيها مقنعة وممتعة. متجنبة توجيه النصائح وإصدار الأحكام في معالجتها للعلاقة الجنسية خارج إطار مؤسسة الزواج مفضلة وصف العملية ب (فعل الحب) بدل أي كلمة مشحونة بالدلالات والمواقف والأحكام الدينية والاجتماعية كالزنا والخيانة الزوجية ... في انفتاح على مرجعيات علمية فلسفية كونية ، بعيدا عن النظرة المحلية أو الدينية، مستشهدة بآراء العديد من المفكرين العالميين .
الرواية تضع الأصبع على نقطة جد حساسة في علاقة المرأة بالرجل، تتمثل في سؤال لما يبحث الرجل عن امرأة أخرى ؟؟ ولمَ يخون عمر زوجته أمينة في الرواية وهي مستعدة لأن تفعل معه أكثر ما يفعل مع عشيقاته؟ (كم وددتُ أن أكون شفافة أمامك.. عارية الروح.. وكان العري أشد ما تخشاه. أمضينا ثلاثين عاماً بثيابنا، بأقنعتنا، واحداً جنب الآخر. زوجين مثاليين، لا جدال ولا مشاجرة.. تمثالين نزيّن بهما وكرنا ونحرس السلالة). أوضاعهما المادية جد ميسرة : (من حسن حظنا، أو من سوئه، لم تكن لدينا مشاكل مادية تعيد العلاقات إلى أبجديتها وتجعل من الكفاح في سبيل لقمة العيش تواطؤاً) لكن قد يكون للغنى وتوفر المال دوره في بحث الرجل عن عشيقة لذلك وجدنا أمينة تتمنى لو كانت أسرتها فقيرة : (تمنيت لو يصهرنا الجوع أو العوز، أو تحتاجني فأظهر شهامتي وارتباطي.. تمنيت لو تدخل علي ككادح عرقه يفسح له الطريق، لو أحكي لك عن مشاجراتي مع الجارات حول تنظيف السلم، عن أولادنا وتفوقهم في الدراسة، عن ثمن الطماطم الذي تضاعف رغم شتاء وافر المطر...تمنيت لو أطبخ لك رغيفاً بسيطاً ولذيذاً كلمسة يد.. وأنت تلاحظ بشهوة فائض وزني الذي جعل فساتيني تضيق وتلتصق بي.تمنيت لو تسكب ضيق نفسك على رحابة جسدي، لو تصبّ علي شكواك، وأحسني أجمل ما لديك في هذه الدنيا.) وكأننا بالكاتبة تحاول أن تربط الخيانة بالوضع العائلي ، ذلك أن عمر وأمينة ينتميان لعائلة ميسورة الحال: ( بيننا خدم وحرس وسائق وطباخ ومربيات للأطفال. بيننا سيارات عددها أكثر من عدد أفراد الأسرة.. بيننا مسافات أوسع من قصرنا، وسكرتيرات خاضعات لنظام التجديد. بيننا أصدقاء بل معارف وسهرات وهدايا.. بيننا مسافات أبعد من رحلاتك. وصمت.. صمت.. صمت). هذا الصمت الذي ساد طيلة فترة زواجهما ولم تجد أمينة الفرصة للبوح لزوجها بما يعتصر في صدرها إلا عندما كان ممددا أمامها في غيبوبته : (أكان لابد أن تدخل في غيبوبة حتى انفرد بك؟)
إن قارئ رواية الملهمات يصادف تردد أسماء عدد من المشاهير من الكتاب العالميين أمثال: "بول إلوار"، "ونستون تشرشل"، "روني شار"، "أوسكار ويلد"، "لورد بايرون"، "موريس شبلان"، جبران خليل جبران، "بليز سندرارس". والإحالة على أعمال أدبية وفكرية عربية وعالمية معروفة أوردتها الكاتبة قسرا وفرضتها أحيانا كثيرة على السياق على الرغم من كون السارد ( الأستاذ إدريس ) كاتبا ناجحا وكان ورغم تعدد أسماء المفكرين يلاحظ غياب أسماء من اهتموا بعلاقة الإبداع بالجنس خاصة سيغموند فرود وعلماء النفس والتحليل النفسي ..
يستنتج من خلال حكايتَيْ رواية الملهمات إذن أنها تتقاطع في حكاية الأستاذ إدريس مع عدد من الروايات العالمية التي تربط بين الجنس والإبداع...وتتقاطع في حكاية أمينة مع روايات كثيرة يكلم فيها بطل الرواية شخصية مغمى عليها : روايات عربية كما في رواية "باب الشمس" للأديب اللبناني إلياس خوري، وفيها يحاور طبيبا والده المغمى عليه في المستشفى. أو روايات عالمية مثل الرواية الحائز على جائزة "الغونكور" الفرنسية، ونقصد رواية "حجرة الصبر" للأديب الأفغاني عتيق رحيمي، وفيها يروي معاناة امرأة أفغانية تحاور زوجها المغمى عليه بعد إصابته برصاصة في رأسه...
هذا وقد استطاعت رواية الملهمات لفاتحة رشيد ملامسة بعض القضايا الاجتماعية والأخلاقية على هامش الحكايتين ولعل من أهم تلك القضايا : مناقشة قضية الخيانة الزوجية ، وهي و إن كانت ظاهرة منتشرة في مختلف الأوساط فإن لها في الطبقات الراقية وضعا اعتباريا ودوافع أخرى غير الحاجة للجنس، ذلك أن الرواية تكرس كون الأسر التي تكون حاجياتها البسيطة متوفرة تبحث لنفسها عن تجارب أخرى خارج إطار عش الزوجية ، ما دامت الكاتبة اختارت أبطال القصة من أسر راقية: فأمينة وزوجها من وسط راق ، يسمح لهما ضغط الحياة اليومية بالانفراد ببعضهما إلا بعد دخول الزوج في غيبوبة، فوجدناالزوجة تتساءل ( أكان لابد أن تدخل في غيبوبة حتى أنفرد بك ؟ أكان لابد أن تهينني ليعترف الجميع بأنني زوجتك؟ فتختفي العشيقات كما بعصا سحرية كأن لهن منك الصحة والفرح ولي منك المرض والحزن )[29] ؟؟
كما حاولت الرواية بطريقتها معالجة قضية نظرة المجتمع لتلك الخيانة و قبول المجتمع لخيانة الزوج لزوجته ، دون قبوله العكس، واستعداد الزوجة للتضحية وتجاوزها عن خيانات زوجها ، هكذا وجدنا رغم معرفتها لخيانات زوجها تقتنع بنصيحة أم الزوج (لا تكوني غبية فتهدمي كل ما بنيته لا تدعيه يحس بأنك على علم بما يفعل .. دعيه جاهلا بمعرفتك لخيانته ليستمر في اتخاذ الاحتياطات اللازمة) واقتناعها بفكرة أن ( الرجل في هذا الزمن إذا خرج من بيته صباحا وعاد ليلا فهذا من فضل الله على زوجته) بعد أن تساءلت الأم :( من يستطيع مقاومة البنات في الشوارع ؟ إنهن كالحوريات جميلات صغيرات متحررات ...) [30]
وإلى جانب الكثير من القضايا المتعلقة بالقيم والأخلاق طرحت الكاتبة قضية هامشية قد لا ينتبه العديد من القراء، تتعلق بصراع خفي بين المرأة المغربية والمرأة الخليجية، فضلنا تخصيصها بمقال خاص انتظرونا في مقال الصراع الخفي بين المغربيات والخليجيات في رواية الملهمات لفاتحة مورشيد قريبا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.