من السماء تبدو بوينوس ايرس مدينة عصرية كبيرة الحجم مثلها مثل عدد من مدن امريكا اللاتينية، ناطحات سحاب كثيرة العدد وموزعة على عدد من احياء المدينة التي يحتضنها نهر بلاطا الشهير (ينسب اليه نادي ديفر بلايت). مطار صغير مخصص للرحلات الداخلية او خاص برحلات دول امريكا اللاتينية يدعى نيو بيري، سلطات المطار مختلفة عن سلطات مطار ساو باولو، كما عاينت "كود". الموظفون اقل ترحيبا يظهرون نوعا من الجدية لا تليق بموظفي مطارات سواء في البوليس او الجمارك. من عاش اياما في ساو باولو سيصاب بنوع من الاستغراب من تصرافات اول من نصادفهم من الارجنتينيين. للبرازيليين نكث كثيرة عن التبعكيك الارجنتيني "كيصاحب ليهم نگالزة، من اصل ايطالي كيتكلمو الاسبانية".
داخل مدينة بوينوس ايرس العاصمة (المدينة لوحدها حوالي 4 ملايين نسمة لكن محافظة بوينوس ايرس تصل الى 16 مليون نسمة) تبدو الامور مختلفة عن الجو، مدينة مقسمة الى احياء جديدة واخرى قديمة ورثتها من الفترة الذهبية التي عاشتها الارجنتين وكانت (بداية القرن) القوة الاقتصادية الرابعة عالميا. بناية الكونغرس الوطني شاهدة على تلك الحقبة، بالساحة الملتصقة به تبث شاشات عملاقة مباريات منتخبهم في المونديال. مثلهم مثل جميع دول امريكا اللاتينية لا دين يعلو على دين كرة القدم.
يبدو ان الارجنتين كبناياتها تعيش على الماضي على امجاد الماضي مثل شعراء العرب الذين يمجدون الاطلال ويقفون لفترة يبكون الماضي، الدولة تعيش منذ سنوات ازمة ورا ازمة وهي اليوم مهددة بدفع اموال ضخمة تعرضها للافلاس بعد حكم صدر في الولاياتالمتحدةالامريكية. في جولة بفلوريدا وهو زقاق مخصص للراجلين داخل المدينة القديمة، تأخذ صورة مصغرة عن الازمة، على بعد كل عشرة امتار تقريبا هناك ارجنتيني يعرض عليك اقتناء الدولار بثمن مرتفع بحوالي عشرين في المائة مقارنة بثمن الابناك "هنا لا احد يثق في البيسوس (العملة الوطنية) مع احتدام الازمة الكل يريد ان يطمئن على امواله في عملة قوية وما كاين ما احسن من الدولار" يشرح ل"كود" احد سكان بوينوس ايرس.
بالاضافة الى اقتناء الدولار يحارب الارجنتينيون الازمة بفنهم الشهير الطانگو، في كل فندق صغير او كبير يعرض عليك عروضا يومية للطانگو الكلاسيكي والعصري باقل من 60 دولار مع النقل والعشاء وقنينة نبيذ من انواعهم الشهيرة. هناك عروض للطانگو حتى في الشارع بالازقة التي يتكاثر فيها السياح (الصورة)
الارجنتين الحالية بقدم بورخيص ورأس مارادونا دولة تفقد الثقة في عملتها وتزداد الوضعية قتامة مع شيوع الخطاب الشعبوي بين الاحزاب السياسية "الشعبوية هنا تفوق نظيراتها حتى في اوربا، بمتابعة للنقاش السياسي سيظهر لك كما قال احد المفكرين الارجنتينيين اننا اصبحنا نملك رأس مارادونا ورجل بورخيس" اي ان الاية انقلبت" يضيف المتحدث ل"كود" بالعاصمة الارجنتينية.
ويضرب مثالا للشعبوية ليس فقط الحدود بين اليمين واليسار معدومة بل حتى بين المحافظ المتدين والتقدمي العلماني غير موجودة اذ تجد حزبا يمثل التوجه الاول يتحول الى التوجه الثاني حسب المواضيع المثارة للنقاش، ويضرب متحدث "كود" مثالا للشعبوية للرئيسة الحالية "اللي عامين وهي لابسة لكحل (الحداد) على وفاة زوجها وكانت كل مرة تبان فالتلفزيون تبدا تبكي، هاد الشي غير باش تأثر على الناخبين". النظام السياسي المعمول به في الارجنتين يساعد على هذا النوع من السلوكات، يضيف مخاطب "كود"، ففي كل سنتين هناك انتخابات وهذا يجعل كل الاحزاب في حملة انتخابية كل يوم.
اذا كانت الارجنتين تدور في دوامة ازمات اقتصادية اجتماعية فان لها خاصية عصية عن الفهم والتفسير وهي قدرتها العجيبة على الخروج كل مرة من هذه السقطة "مع كل ازمة تستطيع الارجنتين الخروج من الازمة، ديما عندهم قديس يخرجهم من الازمة". مارادونا لعب هذا الدور في 1986 و1990 وميسي قد يلعبه هذا اليوم ضد المانيا في مونديال البرازيل، فالمنتخب لم يقدم عرضا قويا ولا تطهر عليه القوة كما هو الحال بالنسبة للبلد، لكن ببركة قديسهم ميسي يمكن الحكم بالفوز بالكأس الغالية التي ستعيد الثقة الى شعب يعشق الكرة ويوقف الحركة لحظة انطلاق مباريات منتخبهم. ثقة تظهر في رقصة الطانكو وفي مسارح المدينة الكثيرة والجميلة والرائعة فالمسرح وكرة القدم سلاح فتاك ضد ارجنتين الازمة.