تطرق المقال السابق ، إلى مواقف الفلاسفة من المرأة ، منذ سقراط إلى جون بول سارتر ، مرورا بأرسطو وروسو وڤولتير ونيتشه ..، حيث إتضح وجود شبه إجماع على رؤية إحتقار لهذا الكائن ، فرغم إختلاف الأزمنة والمدارس الفلسفية التي ينتمي إليها هؤلاء الرواد ، فإن الميزوجينية والنظرة المتعالية إلى النساء ، كانت هي القاعدة لذى جمهور الفلاسفة ؛ غير أن معاداة المرأة ، قد تحولت إلى ماركة مسجلة للفيلسوف السيء المزاج ، أرثر شبنهاور ، الذي داع صيته بشكل أساسي ،بفضل موقفه من المرأة ،و"كرهه" الشديد لها،والذي لايضاهيه إلا مقته لهيجل وأساتذة الفلسفة واليهود والمثليين . إن علاقة صاحب "العالم كإرادة وتجلي" بالمرأة ، أكثر تعقيدا مما قد يذهب إليه البعض ، خاصة أولائك الذين يتناولون الأمر بمعزل عن بيوغرافيا شوبنهاور ونسقه الفلسفي العام . في مرحلة الشباب كانت علاقته بالنساء شبه عادية ، كان أرثر يحمل تصورا مثاليا لوالدته ،الكاتبة كارولين باردوا ،أما علاقتها العاطفية ،فقد إتسمت برومانسية مفرطة ، جعلته يحصد الخيبة تلو الأخرى، علاقته الأولى جمعته بالممثلة كارولين جاجومان ،التي كانت تقابل قصائده ورسائله الملتهبة ببرود ،جعله يدرك متأخرا أن هاته المرأة لم تخلق من أجله. خلال مقامه بإيطاليا ،تعرف صاحبنا ، على الحسناء تريزا فوغا ،التي سرعان ما أسره حبها ،دامت علاقتهما أسابيع معدودة ،لتتخلى عنه هي الأخرى. تناسلت بعد ذلك علاقات سريعة ، كانت تنتهي بالفشل ، إحداها جمعته بعاملة فندق، إنتهت بحملها ،وفراره ،لكن السماء كانت رحيمة معه، حيث توفي الجنين في بطن أمه .أخر علاقة جمعته بالمومس كارولين مودون ، علاقة حب جارفة وطويلة ، إنتهت برحيلها مع رجل أخر أكثر ثراء منه .
علاقة شبنهاور بالنساء لم تتأزم إلا بعيد وفاة والده ،وموقف والدته ،او "السيدة والدتي" كما كان يناديها متهكما ،التي ستجمعه بها علاقة عداء ناذرة ، سببها تجاهل السيدة شپبنهاور ،لزوجها المعاق والمريض، وإنفاق ثروته على عشيقها ،الفيلسوف ،في جزء "ميتافيزيقا الحب الجنسي" من كتاب العالم كإرادة وتجلي و جزء Essai sur les femmes من كتاب Parerga et Paralipomena ,سيشن أرثر شبنهاور هجوما عنيفا على النساء ، او "السيدة" الأوربية، التي كانت ،في اعتقاده، إنسانا من الدرجة الثانية ،لاتتقن إلا الكلام الفارغ والإنفاق الغير مبرر، كائن وضيفته هي الإنجاب والطبخ ومحاولة خداع الرجل . المرأة التي إرتكب الرجل الأوروبي خطأ فادحا، حينما منحها حقوقا تتساوى وحقوقه، لاتستحق ذلك ، لأنها غير قادرة على تحمل المسؤولية ، أو الإبداع ،يقول شبنهاور : المرأة ،لم تبدع قط عملا فنيا كبيرا ،ولم تنتج كتابا فلسفيا ضخما ولم ترسم لوحة تستحق أن تعرض بجانب الأعمال الكبيرة..إن المرأة غير قادرة على الإبداع بشكل منظم ومستمر، إنهن يفتقرن إلى روح الجمال ،والقدرة على تذوق هذا الأخير" ويضيف في الجزء 15 من كتابه : إن عقل النساء بسيط ،الشيء الذي يجعلهن بدون روح وبدون حكمة!
شبنهاور أدرك خاصة بعد صدور كتابه الأخير ،البسيط، بالمقرانة مع كتابه الرائع "العالم كإرادة وتجلي" ، أن السبيل للخروج من الظل والبزوغ في سماء الفلسفة الألمانية ، المغطات بسحابة هيغل ، هو المبالغة في معادته للمرأة ، وبالفعل قد تحقق له ذلك ، خاصة في فرنسا ، حيث أصبح رمزا للميزوجينية تتسابق الصحف على نشر أجزاء من كتبه وعقد لقاء ات معه !
شبنهاور لم يكون حاقدا "عُصابيا" على المرأة ،ولم يكن موقفه منها عبارة عن رد فعل إنفعالي تجاهها ، إن موقفه الراديكالي ،هو تعبير عن خيبة أمل كبيرة، وعن "الخذلان" الذي تعرض له ، صاحب "إرادة الحياة" كان يحلم بكائن أنثوي أكثر سموا ،لكن وضع المرأة في تلك الحقبة وعدم قدرتها على تجاوز العوائق السوسيوثقافية المقيدة لها ، جعل عثابه يتحول إلى مايشبه قطعة من الجحيم ،رماها في وجه المرأة..!إنها صرخة ألم..حينما نحب شيء ما لدرجة الجنون ، قد يتحول الأمر فيما بعد لعداء حد العته.. التطرف في الكره ،قد يكون باطنه عشق جامح!