يضع محمد الطائع، الكاتب الصحافي، في مؤلفه "عبد الرحمان اليوسفي والتناوب المجهض"، قضية المقعدين البرلمانيين المزورين لصالح الاتحاد الاشتراكي خلال انتخابات 1997، في سياق محاولات إدريس البصري لإجهاض التناوب التوافقي، والذي كان يفترض أن يلي تلك الانتخابات التشريعية. يذكر الطائع في الحلقة الثالثة من الكتاب الذي تنشره جريدة المساء في عددها ليوم الأربعاء 25 يوليوز، بانتماء المعنيين للشبيبة الاتحادية والكنفدرالية الديمقراطية للشغل. يقول "بعد إعلان وزارة الداخلية عن فوز كل من عضو اللجنة المركزية للشبيبة الاتحادية محمد حفيظ والنقابي في الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، محمد أديب، فائزين بمقعدين بمجلس النواب، اتضح أن وزارة الداخلية زورت النتائج لصالحهما". ثم يضيف "بما أن قيادة الحزب كانت على بينة من الحروب المستعرة في أعلى مستويات السلطة، وأن الضجة "المفتعلة" لا تخدم إلا استراتيجية إدريس البصري، تحمل اليوسفي وحزبه كل التبعات التي أثيرت بخصوص "التزوير"، وهي الضجة التي حولها السفياني رفقة الفقيه البصري، إلى "قضية وطنية"، على الرغم من أن الجميع كان يعلم أن تثميلية الحزب بمجلس النواب ومنذ عهد الراحل عبد الرحيم بوعبيد وقبل استحقاقات 1997 كانت تتم عبر "كوطا" محددة". خلاصة هذه "الضجة المفتعلة"، كما يصفها الكاتب، أن "اليوسفي استوعب ّأن الغرض من إبراز مقعدين اثنين، واحد في تنظيم الشبيبة الاتحادية والثاني في التنظيم النقابي (الكنفدرالية الديمقراطية للشغل) دون سواهما، وتزوير مصالح الداخلية لصالحهما، لا يهدف إلا إلى التضييق على اليوسفي أولا وقيادة الحزب ثانيا ومحاصرتهما تنظيميا وتسفيه الرتبة الأولى التي حصل عليها الحزب". أما على الصعيد الداخلي فكانت النتيجة، يقول الطائع، أن "استغل الفقيه البصري معطى المقعدين وإلى جانبه خالد السفياني، عضو اللجنة المركزية للحزب، ومحمد الساسي، الكاتب العام للشبيبة الاتحادية، وأطلقوا هجوما كاسحا على اليوسفي. هنا بدأت مؤشرات ومنطلقات التصدع الحزبي الذي لن يفضي إلا إلى الانشقاق بواسطة ضخ إعلامي هائل". المرحلة التي يتحدث عنها الكاتب تميزت بإضعاف كبير لموقع عبد الرحمان اليوسفي داخل حزبه بينما كان في مواجهة خصوم كثر خارج الحزب لم تكن مصلحتهم في إنجاح التناوب، وعلى رأسهم كان إدريس البصري، الذي لجأ إلى كافة الوسائل بما فيها خدمات أصدقائه الإسلاميين في العدل والإحسان (حرب الشواطئ) والعدالة والتنمية (الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية) لمعارضة الحكومة الناشئة آنذاك. كما كان لافتا حينها ظهور إدريس البصري في مؤتمر الكنفدرالية الديمقراطية للشغل واستضافته من طرف نوبير الأموي ليأخذ الكلمة في أول مرة تحتفي فيها نقابة بوزير داخلية. حدث ذلك أشهرا قليلة قبل انشقاق الأموي عن الحزب في المؤتمر السادس سنة 2001، ومعه تيار "الوفاء للديمقراطية"، خاصة وأن اليوسفي لم يظهر استعدادا لتقبل المعارضة التي عبر عنها بعض رفاقه في الحزب. موقع الوزير الأول زاد ضعفا بعد هذين الانشقاقين، إذ وجد نفسه مجددا وحيدا في مواجهة خصم آخر داخل الحزب لم يكن سوى محمد اليازغي وأصدقائه. وضع زاد من تعقيده، انقلاب حزب الاستقلال على اليوسفي، وظهور فاعلين جدد مع العهد الجديد لم يكن من مصلحتهم وجود وزير أول قوي يتقاسم السلطة التنفيذية مع الملك، في انتظار ترسيم هذا التقاسم دستوريا. الجدير بالذكر أن نوبير الأموي أسس بعد انشقاقه حزبا سياسيا هو "المؤتمر الوطني الاتحادي" لم يلبث أن انشق بدوره لينشأ عنه الحزب الاشتراكي، بعد انشقاق المنظمة الديمقراطية للشغل عن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. حزب الأموي لم يحقق أي تقدم انتخابي، وكان أبرز نوابه في البرلمان بعد انتخابات 2007، محماد الفراع موضوعا لحكم قضائي يدينه بتهمة تبديد المال العام، قبل أن يلتحق بحزب الاستقلال وينتهي في حزب محمد زيان. أما رفاق محمد الساسي فلم يتوفقوا بدورهم انتخابيا، إذ فشل الساسي في الفوز بمقعد نيابي في انتخابات 2007، التي واجه فيها منافسين كان من بينهم أحمد بنجلون، زعيم حزب الطليعة رغم أنه كان حليفا للساسي (الاشتراكي الموحد) وحزب الأموي في تحالف اليسار الثلاثي. نفس الشيء على المتسوى الميداني، فعشر سنوات على انشقاق 2001 الذي كان من أسبابه المعلنة رفض المشاركة في الحكومة دون دستور ديمقراطي، تبين تراجع اليسار المطالب ب"الملكية البرلمانية هنا والآن" في الشارع مقارنة مع جماعة العدل والإحسان.