كشف تقرير حول منظومة المقاصة بالمغرب، أعده المجلس الأعلى للحسابات ، أن المقاصة تترتب عنها " انحرافات وسلوكات غير اقتصادية " ، من قبيل تبذير الموارد ، وعدم التشجيع على استغلال الطاقات المتجددة ، وعدم تحقيق الفعالية الطاقية ، وعدم التحفيز على تقليص التكاليف ، فضلا عن الآثار السيئة الناجمة عن اختلال التوازن الاقتصادي . وأضاف التقرير ، الذي قدمه اليوم الإثنين الرئيس الأول للمجلس الاعلى للحسابات ادريس جطو خلال اجتماع مشترك للجنتي العدل والتشريع وحقوق الإنسان والمالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ترأسه كريم غلاب رئيس المجلس ، أنه من الناحية العملية ، يتحمل الخاضعون للضرائب عبء المقاصة عوض المستهلكين الذاتيين أو المهنيين ، مشيرا إلى أنه بالرغم من خضوع هذا النظام لتعديلات ظرفية " إلا أنه لم يعرف إصلاحا عميقا وشاملا ". وأبرز التقرير الذي يحمل عنوان "منظومة المقاصة بالمغرب : التشخيص ومقترحات الإصلاح" أن ثقل تكاليف المقاصة تترتب عنه مضاعفات تزيد من هشاشة الإطار الماكرو اقتصادي ، وتقلص هامش الميزانية خاصة في مجال الاستثمار ، كما هذه التكاليف تشكل مخاطر على النمو الاقتصادي والتشغيل ، وتؤدي إلى تفاقم عجز ميزانية الدولة والميزان التجاري والحسابات الخارجية. وجاء في التقرير أيضا، أنه إذا كان من المفترض أن تستهدف منظومة المقاصة بشكل رئيسي الفئات المعوزة ، فإن تطورها عبر السنين أفضى إلى جعلها أداة لصرف الدعم من الميزانية لفائدة المنتجين المحليين ، خاصة العاملين في قطاع النقل وإنتاج الطاقة الكهربائية والنباتات السكرية ، بل حتى على مستوى بعض الصناعات. وأظهر التقرير أيضا أن حصة هامة من مبالغ الدعم ترجع بصفة غير مباشرة إلى الدولة والهيئات العمومية التي تستفيد من المواد المدعمة لفائدة حظيرة السيارات التي تمتلكها ، مع الإشارة أيضا إلى أن المنتجين المهنيين يستحوذون على ما يناهز ثلثي تكاليف المقاصة الاجمالية في حين لا تستفيد الاسر إلا من حوالي ثلث مبالغ هذا الدعم. وبينت الحسابات التي تم القيام بها استفادة كل أسرة لا تتوفر على سيارة برسم سنة 2012 من معدل دعم سنوي قدره 2181 درهم من المساعدات المباشرة عبر المقاصة ومبلغ 1880 درهم سنة 2013 ،مضيفا ان الأسر التي تستعمل سيارة واحدة قد استفادت من دعم سنوي قدره 4996 درهما و 3943 درهما خلال نفس السنتين . وأشار التقرير إلى أن نظام المقاصة انحرف عن وظيفته الاصلية المتعلقة باستقرار أسعار المواد الاساسية ليتحول إلى آلية للمساعدة لا تعكس واقع التكاليف وتحجب حقيقة الاسعار خاصة في قطاعات الطاقة الكهربائية والنقل. وبخصوص حكامة منظومة المقاصة، أبرز التقرير أنها تتسم ب"التجزئة والانغلاق" وذلك بسبب ضعف التنسيق بين مختلف القطاعات الوزارية والهيآت المعنية وذلك على مستوى المهام والمبادرات المتخذة حيث يعمل كل طرف في حدود اختصاصاته . وأبرز التقرير أن صندوق المقاصة يقدم الدعم لشراء المواد البترولية وليس للاستهلاكات الحقيقية، مشيرا إلى أنه لا يتوفر على نظام للمعلومات يمكن من مقارنة الكميات المستوردة مع تلك التي تم نقلها وضبط التسديدات المرجعة على الفاتورات والمتعلقة بحالات إرجاع المواد المقتناة سابقا. كما لا يتوفر الصندوق على سلطة النظر في اختيار الممونين وفي أثمان الشراء، ولا يقوم بشكل كافي بعمليات المراقبة على الفاعلين المستفيدين من هذه الاعانات. وأظهر التقرير أن الغازوال يستهلك ما يزيد عن 40 في المائة من تكاليف المقاصة الموجهة للمنتجات البترولية، مضيفا ان الدعم لهذه الوحدة بلغ خلال السنين الاخيرة مستويات جد مرتفعة (نسبة 55 في المائة سنة 2011 و 49 في المائة في 2012 و 38 في المائة سنة 2013).ويستهلك الغازوال في قطاع النقل (43 في المائة) والفلاحة (21 في المائة) والصناعة( 17 في المائة) ومن قبل الاسر (19 في المائة). وبخصوص غاز البوطان فيتوزع استهلاكه أساسا بين الاسر (59 في المائة) والفلاحة (39 في المائة) . أما بالنسبة لفيول الكهرباء فإن مبلغ الدعم استهلك ما قدره 2 ر7 مليار درهم سنة 2012 ،أي ما يفوق الدعم المخصص في نفس الوقت للدقيق والسكر، مضيفا أن كلفة الدعم الموجهة للسكر بلغت سنة 2012 خمس مليارات درهم وانخفضت سنة 2013 لتصل الى 6 ر3 مليار درهم ، حيث يستفيد النسيج الانتاجي الوطني من المبلغ الرئيسي لدعم السكر اقترح تقرير حول منظومة المقاصة بالمغرب، أعده المجلس الأعلى للحسابات، عقلنة نظام المقاصة من خلال تحديد استراتيجية حقيقية في إطار مخطط مندمج للسياسات العمومية وبرامج إعادة الهيكلة تندرج وفق رؤية تكرس الطابع الاجتماعي لهذه السياسات. وأوضح التقرير أن المحاور الكبرى لهذه الاستراتيجية ، التي يجب تطبيقها بشكل مندمج ومتناسق ، تتمثل في رفع الدعم تدريجيا عن المواد البترولية السائلة ، وتعويضه بمساعدات على الاستثمار خاصة لفائدة قطاع النقل من أجل تحديث حظيرة السيارات واقتناء السيارات ذات الاستهلاك المحدود للطاقة . كما تشمل هذه الاستراتيجية مواكبة قرار رفع الدعم عن الفيول الصناعي المتخذ في يناير 2014 بإجراءات لدعم الاستثمار بالنسبة للصناعات التي تستعمل هذه المادة ، وذلك من أجل الحفاظ على تنافسيتها ، فضلا عن تسريع برنامج الاستثمار المعتمد من طرف المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب من أجل إنتاج الطاقة الكهربائية . وبخصوص جانب الحكامة، أبرز التقرير أنه من الملائم تطوير التفاعل الإيجابي بين مختلف الأجهزة المتدخلة في نظام المقاصة، وأوصى في هذا الإطار بإحداث لجنة لليقظة تتعلق بالمقاصة وتتألف، بالإضافة إلى صندوق المقاصة، من المكتب الوطني للحبوب والقطاني وممثلين عن الوزارات المكلفة بالطاقة والشؤون العامة والمالية والصناعة والفلاحة والنقل وممثلي الهيئات المهنية المعنية . وتتجلى المهمة الأساسية لهذه اللجنة في تقديم الاستشارة للحكومة حول الاستراتيجيات والآليات الواجب وضعها من أجل عقلنة نظام المقاصة ، كما يتعين عليها ضمان يقظة فاعلة ودائمة على مستوى الأسواق العالمية للمواد المعنية ، والإخبار عن المخاطر المهمة المتعلقة بملاءمة وتأمين التموين برسم المواد المدعمة واقتراح الإجراءات الكفيلة بتجاوز هذه المخاطر . وأضاف التقرير أنه يتعين على الدولة القيام بمراقبة قبلية للواردات من المواد المدعمة بشكل يمكن من تحفيز الفاعلين المعنيين للقيام بالاقتناءات خلال فترات انخفاض الأسعار الدولية ، الأمر الذي سيمكن من وضع مخطط لتحملات المقاصة في أفق متعدد السنوات . ويتعين كذلك، وفقا للتقرير، توسيع اختصاصات صندوق المقاصة حتى لا يقتصر دوره على مجرد كونه جهازا لصرف الدعم ، بل يمتد إلى جعله ملاحظا فعليا بشأن المواد المدعمة والإسهام في اليقظة الدائمة تجاه المخاطر المالية التي يواجهها المغرب ، كما يتعين توفر الصندوق على بنك للمعلومات متطور حول الأسواق العالمية ، وعلى سلطات رقابية حقيقية وواسعة تمكنه من التوفر على حق واسع في الحصول على المعلومات لدى مموني المواد المدعمة . وفي ما يتعلق بمراقبة مخزون المواد البترولية والسكر والدقيق ، أوصى المجلس الأعلى للحسابات بالاستعانة بخدمات الشركات المتخصصة ، حيث يتعين على هذه الأخيرة القيام بالمراقبة واتخاذ الإجراءات الضرورية لمساعدة الإدارة من أجل ضمان احترام النصوص المطبقة في هذا المجال ، وحقيقة الإقرارات المقدمة من طرف المتعاملين ، وذلك على أساس دفتر للتحملات محدد سلفا . وبشأن المقترحات المتعلقة بالمنتجات البترولية ، أوصى المجلس أساسا بإعادة النظر في نظام التموين في اتجاه حرص أكبر من طرف السلطات العمومية على جعل الشركات البترولية تعمل على ترشيد اقتناءاتها ، مع ضمان التموين المنتظم للسوق ، وذلك بالرفع من قدرات الاستقبال بالموانئ والزيادة في قدرات التخزين . كما أوصى بإنهاء الدعم الحالي المخصص للفيول المستعمل من قبل المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ، وتعويضه بأشكال أخرى لدعم استثمارات هذه المؤسسة العمومية في إطار عقد - برنامج مع الدولة . أما بخصوص الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية ، فقد أوصى التقرير بشكل خاص باتخاذ تدابير مواكبة في إطار سياسة إرادية للدولة تهدف إلى تشجيع الحلول القائمة على الطاقات المتجددة ، خاصة بالنسبة للقطاع الفلاحي والمنازل والإدارات العمومية . وفي الشق المتعلق بالمواد الغذائية المدعمة ، أبرز التقرير أهمية الرفع من مستويات المردود والإنتاجية بالنسبة لمادة السكر ، وذلك على المستوى الأعلى للسلسلة المتمثل في الإنتاج الفلاحي من أجل خفض الفوارق بين تكاليف الإنتاج الداخلية والتكاليف على المستوى الدولي، وكذا مراجعة الثمن المستهدف الذي يحتسب على أساسه مبلغ الدعم الجزافي ، أخذا بعين الاعتبار تحسن المردودية الفلاحية من جهة ، وآثار استعمال قدرات الإنتاج الصناعية من جهة أخرى . أما بالنسبة للدقيق ، فقد تم التأكيد على ضرورة خفض تكاليف الإنتاج من خلال الرفع من مردودية الفلاحين الصغار ، وتأمين التموينات من خلال القيام باقتناءات مهمة عندما تكون الأسعار منخفضة .