سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المهزلة البليدة. لا يمكن عدم تصور تدخل المحيط الملكي في ازمة تشكيل الحكومة منذ بدايتها، ولا يمكن الثقة في حياد هذا المحيط. نبرة الخطاب الأخير ومضمونه يلغيان إمكانية الحياد هذه، والسؤال : ما الهدف من وراء هذا التماطل من أجل إعادة تشكيل هذه الحكومة
ماذا لو كانت أمورنا تساس بالفعل من طرف حكومة عبد لإله بنكيران؟ على اعتبار أنها الآن، ولربما حمداً لله، تساس من طرف القصر العامر، بواسطة حكومة الظل التي تمسك كل ملفات البلاد، وكل سياساتها.. هل نستحق نحن، كمواطنين بسطاء، ستكنفنا عن الانخراط في ربيع ملغوم، وتمسكنا باستثنائنا المضحك، وصوتنا على دستور شبه ممنوح، وأفرزنا حكومة شعبية بشكل من الأشكال، نستحق أن تعطل أمور حياتنا لما يقارب أربعة أشهر بمعنى ثلث السنة وجزء واحد من عشرين أجزاء الولاية التشريعية برمتها؟
هل طبيعي أن تأخذ هذه الأزمة كل هذا الوقت؟ بين الحَرْكة التي دشنها شباط في مشرق الوطن ومغربه، شماله وجنوبه، كي يسب بنكيران لا غير، دون أن يقنع أحد بجدوى قرار خروجه من الحكومة ودون أن يقدم بديلا، وبين المشاورات المارطونية التي دشنها رئيس الحكومة مع حزب الأحرار بقيادة مزوار؟
لا يمكن تصديق هذه الجدية في مشهد سياسي يتصف بالتماهي الحزبي مع كل الإشارات الملكية وفي ظل تشابه هذه الأحزاب، ليس في برامجها وهياكلها، فهي في غالب الأحيان لا تتوفر عليها، بل في تشابهها في الهدف من وجودها أصلا، وهو خدمة الملكية في خلق مشهد سياسي صوري مزركش بالقليل من الممارسات الديمقراطية والموجه للاستهلاك الخارجي أكثر من توجهه لتأطير المواطن المغربي واستيعاب الاختلافات المجتمعية الممكنة ووضعها على سكة الممارسة الديمقراطية الحقيقية...
ما الفرق بين حميد شباط وصلاح الدين مزوار؟ ما الفرق بين حزب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار؟ هل من تباين للمواقف تذكر من قضايا عديدة جوهرية؟ هل سنصدق أن لحزب الاستقلال موقف ما من إصلاح صندوق المقاصة مثلا، شكل نقطة اختلاف مع حزب العدالة والتنمية واضطره للخروج من الحكومة، وأن بنكيران يفاوض صلاح الدين مزوار حول صيغة هذا الإصلاح باعتبار أن لحزب الأحرار موقفا ورؤية له (أي إصلاح صندوق المقاصة) تختلف عن رؤية حزب الاستقلال وتقترب قليلا من رؤية حزب العدالة، ولا ينقصها سوى بضعة أشهر من المفاوضات؟ هل يصدق أحد هذا الهراء؟
لا يمكن نكران أن في هذا العبث تشتم رائحة صراع بئيس يدور في أوساط عليا، وتطحن رحاه كل ممكنات التقدم التي قد يستفيد منها الوطن برمته... لا يمكن عدم تصور تدخل المحيط الملكي في هذه الأزمة منذ بدايتها، ولا يمكن الثقة في نوع من الحياد اتجاه أطراف الصراع، ولعل نبرة الخطاب الأخير ومضمونه يلغيان إمكانية الحياد هذه، مما يطرح السؤال : ما الهدف من وراء هذا التماطل من أجل إعادة تشكيل هذه الحكومة؟ هل هناك رغبة في إجهاض تجربة أول حكومة منتخبة بشكل شعبي وديمقراطي؟ وتحمل في جلابيبها رائحة الحراك الديمقراطي الذي شهدته المنطقة؟ هل هو صراع على مساحات السلطة التنفيذية، مع العلم أن المؤسسة الملكية لا تزال تحتفظ بسلطتها الرمزية المطلقة، وأن تراجعها وفق منظور الوثيقة الدستورية يعزز هذه السلطة، بينما انخراطها في تدبير الشأن العام يقضم منها ومن رمزيتها؟
خارج كل تحيز وبالاختلاف الكبير مع بنكيران، لا يمكن إلا أن نقف على حجم الحسرة والتيه الذي يطبع خطاباته... لأنه ربما لم يستطع تحقيق أحلامه الإخوانية العالمية، وهي على كل أحلام إن كانت حقيقية فقد تقوضت بأحداث مصر، لكن أساسا لم يستطع أن يبرهن للذين انتخبوه عن قدرته من عدمها في تحقيق برنامجه الانتخابي وإحساسه بالحرب الدائرة ضده وهو أسف استطاع أن يسوقه بنجاح، مما سيحوله مع مرور الزمن إلى طاقة ايجابية ستقض مضاجع الذين يحاربونه...
لعل الواقع بتعقيداته كان كفيلا بهزمه، لكن هناك من يصر على أن يوجهنا للاعتقاد بأنه ليس في المغرب سوى الملك وحكومة الملك... وهو ذاته الاعتقاد الذي يجعلنا في مأمن وهمي ونحن نتفرج على هذا التبذير الكبير للزمن السياسي... فمزوار العائد من عطلته في إسبانيا غير مستعجل ترميم الحكومة، فهو يفاوض بجدية حول النظريات الكبيرة في تدبير الشأن العام... وكل مهزلة ونحن على ما يرام.