الطريقة التي تعامل بها عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وصلاح الدين مزوار وصيفه في التحالف الحكومي، مع رئاسة مجلس النواب، توحي بأن هناك بوادر ميلاد مفهوم جديد للأغلبية الحكومية، حيث تم تهريب النقاش الدائر داخل التجمع الوطني للأحرار حول الشخصية المؤهلة لرئاسة المجلس من داخل الهياكل الحزبية إلى الأغلبية الحكومية التي أعلنت رشيد الطالبي العلمي مرشحها للرئاسة. المفروض في الأغلبية الحكومية أن تكون منبرا للتنسيق بين مكونات التحالف الحكومي، العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية، وأن تدير الخلافات التي تقع بين الأحزاب وتصغي لخطابات كل طرف على حدة من أجل صياغة برنامج حكومي متكامل يعبر عن طموحات الأحزاب المشاركة في الحكومة. وكما أن رئيس الحكومة دوره تنسيق عمل الوزارات وإدارة دفة الحكومة ومنع التنازع بين القطاعات الوزارية حول الاختصاصات، فهو في الوقت ذاته رئيس للأغلبية وبالتالي دوره ليس رئاسة الأغلبية بالمفهوم الفرعوني ولكن تنسيق عمل الأغلبية وإدارة الخلافات التي تقع بينها. غير أن بنكيران وإرضاء لمزوار والطالبي أعلن مرشح الأغلبية في ظل صراعات داخلية وسط التجمع حول من يستحق تمثيل الحزب. فالتجمعيون يرون أنهم وحدهم أحق الناس باختيار الإطار الحزبي الذي يمثلهم ويشرفهم ويشرف المغرب في قيادة المؤسسة النيابية ذات الأهمية الكبرى، وينحسر دور الأغلبية في تحديد الحزب الذي ستؤول إليه الرئاسة في حين يختار هو الشخصية المناسبة، ويمكن للأغلبية أن تعترض وفق معايير وتقييمات موضوعية للشخصية التي تم اقتراحها. هذا ما كان ينبغي أن تسير عليه الأمور. لكن التجمع يعرف تنافس شخصيتين على رئاسة مجلس النواب. الطالبي العلمي، رئيس الفريق، ومصطفى المنصوري، رئيس مجلس النواب السابق، وهياكل الحزب وحدها الكفيلة في الحسم في هذا الموضوع، وتقديم مرشحها للرئاسة. غير أن بنكيران ومزوار اختارا طريقة الفضيحة. فضيحة يمكن تسميتها بنكيران ومزوار "غيث". فضيحة عنوانها السطو على الأعراف الديمقراطية وضرب الديمقراطية الداخلية في مقتل، فمزوار أطاح بالمنصوري قبل أربع سنوات بحجة انعدام الديمقراطية الداخلية، وها هو اليوم يقوم بتهريب كل مفاهيم الديمقراطية نحو ديكتاتورية مغلفة بعنوان الأغلبية الحكومية. فهل من حق الأغلبية أن تتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب ؟ هل من حقها أن تقرر بعيدا عن هياكل الأحزاب التي تمثل بالنتيجة قواعدها؟ أين هي الديمقراطية التي يزعم بنكيران الدفاع عنها؟ وأين هي الديمقراطية الداخلية التي جاء من أجلها مزوار إلى رئاسة الحزب رغم حداثة سنه في التجمع الذي لم يعرفه إلا وزيرا؟ من حق الأغلبية كما قلنا أن تعالج مشاكلها الداخلية وأن تجد حلولا للخلافات بين أطرافها لكن ليس من حقها أن تصبح سلاحا في وجه الأحزاب السياسية المنتمية إليها، لأن هذا التدخل سيكون ضدا على الديمقراطية الداخلية للأحزاب والتي بدونها لا يمكن تأهيل الأطر الديمقراطية. فلأسباب يعرفها بنكيران ومزوار تم تهريب نقاش داخلي بين الأحرار إلى الأغلبية وهي ضربة جديدة لديمقراطية الأحزاب.