كشفت فضيحة العلاوات، التي تبادلها نور الدين بنسودة الخازن العام للمملكة وصلاح الدين مزوار وزير المالية السابق، عن مدى ازدواجية الخطاب والممارسة في الأداء السياسي لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة. ذلك أن جميع نواب حزب العدالة والتنمية وأحزاب الأغلبية بدون استثناء صوتوا على مشروع قانون المالية لما تبقى من سنة 2012 حينما عرض للنقاش في غرفتي البرلمان قبل بضعة أسابيع. هذا القانون يتضمن مجموعة من "الحسابات الخصوصية"، ثلاثة منها مخصصة للمنح والعلاوات التي يفترض أن يستفيد منها وزيرا المالية ومدراء الوزارة ومدراؤها العامون وسائر موظفيها في مديريات الجمارك والخزينة العامة والضرائب. بمعنى أن الحكومة ونواب الأحزاب المشكلة لها، بمن فيهم عبد العزيز أفتاتي، حافظوا بأصواتهم داخل غرفتي البرلمان على السند القانوني الوحيد الذي مكن نور الدين بنسودة وصلاح الدين مزوار من التلاعب بالمال العام بلا حسيب ولا رقيب! أي أن أفتاتي وباقي زملائه في الفريق النيابي لا يعلمون - على أقل تقدير – كيف يحمى المال العام، أو ليست لهم أية إرادة حقيقية للإصلاح ومحاربة الفساد، وإنما يستغلون مواقعهم النيابية في تصفية الحسابات السياسية. إذ لم يتغير أي شيء في الخلل الرئيسي الذي سمح بحدوث فضيحة بنسودة ومزوار "بشكل قانوني". قانون المالية الحالي، بفضل أصوات أفتاتي وزملائه، يحتفظ بنفس الثغرة القانونية التي تسمح لكبار مسؤولي وزارة المالية ووزيريها أن يغترفوا ما شاء الله من المال العام في شكل "علاوات" شهرية، إلا أن من رحم ربك. هذه الثغرة تتمثل ببساطة في أن قانون المالية لا يحدد ولم يحدد منذ 1965 حجم وقيمة "العلاوات" التي يمكن أن يحصل عليها مدراء وزارة المالية ومدراؤها المركزيون ووزيرها. أما 1965 فهي السنة التي قنن فيها نظام العلاوات والمنح في وزارة المالية لأول مرة في تاريخ المغرب، حين أحدثت حسابات خصوصية داخل الميزانية (أي يمكن أن يطلع عليها النواب) مخصصة للمنح والعلاوات. قبل ذلك التاريخ، ومنذ أن أحدث الاستعمار الفرنسي وزارة المالية في المغرب كانت تلك المنح خارج القانون. وأما تمويل تلك الحسابات الخصوصية التي غرف منها بنسودة ومزوار وغيرهما كثيرون "في إطار القانون"، فيتأتي أساسا من الذعائر والغرامات والزيادات التي يجنيها أطر الوزارة من الشركات والمواطنين المتأخرين في أداء ضرائبهم. استنساخا لنظام يجري به العمل في أغلب دول العالم، على سبيل تحفيز الموظفين لجبي الأموال المستحقة على دافعي الضرائب، ومحاولة تحصينهم من الإرتشاء. المرة الأولى والوحيدة التي حصلت فيها محاولة لتغيير هذا المنكر بتحديد سلم دقيق لحجم العلاوات التي يمكن أن يحصل عليها المدير والمدير المركزي والوزير في هذه الوزارة، كانت على عهد الاتحادي فتح الله ولعلو. غير أنه واجه مقاومة شديدة من المستفيدين من عدم تحديد قيمة تلك المنح ليستمر الوضع على ما هو عليه إلى اليوم... يستمر الوضع إلى يوم الناس هذا الذي يخرج فيه أفتاتي وبنكيران ومن معهم ليستنكروا فضيحة بنسودة ومزوار، بينما صوتوا ودافعوا على قانون المالية الحالي، الذي يحمي من يمكن أن تسول له نفسه نهب المال العام في تلك الحسابات الخصوصية الثلاث بدعوى الاستفادة من "العلاوة" أو "المنحة" الشهرية. بعد محاولة فتح الله ولعلو استمر هذا المنكر كما كان من قبل، في ظلم صارخ لسائر موظفي الوزارة من غير المدراء والمدراء المركزيين والوزير. ذلك أن أقصى مبلغ يمكن أن تبلغه المنحة الشهرية لموظف خارج السلم (أعلى مرتبة إدارية) لا يتعدى 7000 درهم شهريا. في حين يمكن للوزير والمدير والمدير المركزي، وخاصة مدير الخزينة العامة للمملكة المتحكم في تلك الحسابات الخصوصية، فيمكن أن تصل منحهم وعلاواتهم الشهرية ملايين السنتيمات "في إطار القانون" وبفضل أفتاتي وبنكيران! أكثر من ذلك، وبفضل تصويت أفتاتي وزملائه في العدالة والتنمية لصالح قانون مالية 2012، لا شيء يمنع – قانونيا - نزار بركة، وزير المالية الحالي، وإدريس الأزمي، الوزير المنتدب في المالية، من الاستفادة مرتين من منح وعلاوات شهرية غير محددة القيمة. إذ يمكن أن يستفيدا بصفتيهما موظفين سابقين في الوزارة، كما يمكن أن يستفيدا بصفتيهما وزيرين. لا شيء يمنعهما من تكرار فضيحة بنسودة ومزوار إلا الضمير والعفة والترفع عن نهب المال العام. فإذن، ومرة أخرى، يتضح بجلاء أن الإصلاح ومحاربة الفساد الذي يمكن أن يبدأ (مثلا) من تحديد حجم المنحة الشهرية التي يمكن أن يحصل عليها المدير والمدير المركزي ووزير المالية غير وارد في أجندة أفتاتي وبنكيران والعدالة والتنمية. إذ كان أمام أفتاتي وزملائه كل الوقت لطرح موضوع الحسابات الخصوصية المخصصة لمنح وعلاوات موظفي المالية للنقاش، وتغيير هذا المنكر بتقنين دقيق لقيمة ما يمكن أن يحصل عليه الوزير والمدير والمدير المركزي في الوزارة من منحة كل شهر.