عادت روح الكاتب الجزائري المعروف مولود فرعون لتحلق فوق جبال تيزي ووزو وفي سماء العاصمة، بعد أن غادرت سنة 1962، حين تم اغتيال صاحبها على يد منظمة الجيش السري الفرنسية (أويس)، بسبب مواقفه من الاستعمار. والسبب في عودة صاحب «ابن الفقير» إلى المشهد الثقافي الجزائري هو الاحتفاء بمرور مئة سنة على ولادته، هو الذي يعتبر أحد أهم الأسماء المغاربية التي اختارت كتابة الأدب باللغة الفرنسية، ضمن جيل الرواد، رفقة محمد ديب (1920)، مالك حداد (1927) وكاتب ياسين (1929). يتخذ الاحتفال بمئوية مولود فرعون أشكالاً عديدة، كانت البداية منذ شهر مارس حيث وُضع إكليل من الزهور على قبره في ذكرى رحيله. بالمقابل لا تزال أنشطة المئوية مستمرة إلى نهاية السنة، حيث سيتم إصدار جميع أعمال فرعون باللغة الفرنسية في طبعات جديدة مع الإصدار الموازي للترجمات العربية. وأشار علي فرعون ابن الكاتب ومدير المؤسسة الوطنية التي تحمل اسمه إلى أن كتاب «أيام بلاد القبائل» سيكون العمل الأول الذي سيعاد نشره باللغتين معا، وسيتم الاحتفاء به في الدورة المقبلة من المعرض الدولي للكتاب بالجزائر. كما سيتم نقل بعض نصوص فرعون إلى خشبة المسرح، وعلى رأسها «حي الورود» التي سيشتغل عليها المخرج المسرحي حامة ملياني الذي سبق له أن حول نص «الأرض والدم» للكاتب نفسه إلى عمل مسرحي. ويعرض بدءاً من شهر حزيران مونولوج «عكس الحب» الذي سيطوف عشر مدن جزائرية، وهو عمل مقتبس من رواية «يوميات» أخرجه المسرحي الفرنسي دومينيك لورسال. كما ستعرف الساحة الثقافية في الجزائر إصدار مجلة بعنوان «فولورو»، وهو اسم الشخصية الرئيسة في رواية «ابن الفقير». وقد عرفت الجزائر خلال الفترة الأخيرة تنظيم عدد من الندوات حول حياة الراحل وأعماله، من بينها ندوة في مسرح «كاتب ياسين»، وأخرى في المدرسة العليا للأساتذة في العاصمة، ولقاءات دراسية في المركز الثقافي في الجزائر ومكتبة مولود فرعون، إضافة إلى عرض فيلم عن حياته للمخرج علي موزاوي ومعرض صور في قصر الثقافة. ولد مولود فرعون سنة 1913، وقبل أن يدب على أرض الكتابة، كان يمشي مسافة طويلة كل يوم من أجل الوصول إلى المدرسة في ظروف اجتماعية قاهرة بمرتفعات تيزي ووزو. اشتغل منذ الثلاثينيات في التدريس في مسقط رأسه، ولاحقا في العاصمة، واشتغل في نهاية حياته مفتشا في المراكز الاجتماعية. كتب عمله الأول «ابن الفقير» سنة 1940 الذي حظي بالعديد من الجوائز في الجزائر وفرنسا وألمانيا وروسيا وغيرها، وسيصير هذا الكتاب هو العلامة التي تدل على مولود فرعون. أصدر عددا من الأعمال منذ مطلع الخمسينيات: أيام بلاد القبائل، أشعار سي محند، الذكرى، الدروب الوعرة، عيد الميلاد، الأرض والدم، مدينة الورود، يوميات، رسائل إلى الأصدقاء، وغيرها من الأعمال التي كانت التيمة الأثيرة فيها لدى الكاتب هي كشف معاناة الجزائري تحت الاستعمار، وانتقاده لكل أشكال الظلم والحيف الناجمة عنه. لا تزال أشكال الاحتفال بمئوية مولود فرعون مستمرة، وقد تكون الجزائر التي ضحى بروحه من أجلها منصفة للرجل في عالم عربي لم يتعود الاحتفاء بكُتَّابه كما هو الشأن في أوروبا مثلا. وربما تكون المئوية حدثا عابرا وضيقا لم يتجاوز حدود دائرة المعنيين بالشأن الثقافي، لكن جملة مولود فرعون الشهيرة «أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إني لست فرنسيا» ستبقى ويجب أن تبقى حاضرة وبقوة في أذهان الجزائريين سواء من الأجيال السابقة أم اللاحقة.