في عهد سنوات الرصاص كان المرء يرتعب كلما سمع أسماء المعتقلات السرية من قبيل꞉ درب مولاي الشريف، الكوربيس، تازمامارت، قلعة مكونة، تاكونيت،أكدز...إلخ، بالنظر إلى أن هذه المعتقلات الرهيبة كانت ترمي فيها الدولة بكل معارضيها المدنيين والعسكريين بدون احترام لأي تشريع سماوي أو أرضي. كما كان المرء يتوجس من المرور بالقرب من ثكنات الوقاية المدنية بسبب تحويل هذه الثكنات من دور وقاية المواطنين إلى دفنهم سرا في مقابر جماعية، وهو ما يفسر لماذا لا يحترم السائقون إلى اليوم سيارات الإسعاف التابعة للوقاية المدنية بسبب هذا الماضي الحقير الذي لعبته الوقاية المدنية في عهد سنوات الرصاص.
لكن اليوم، بعد طي هذا الماضي وتشكيل هيأة الإنصاف وصرف 200 مليار لجبر الضرر، أضحى المغاربة يرتعبون من مؤسسة المكتب الوطني للكهرباء والماء، على اعتبار أن هذه المؤسسة لم تعد تلعب دورا في تهدئة المجتمع وتحسين جودة عيش المواطنين عبر إيصال خدمات المرفق إلى كافة المدن والقرى، بل تحولت إلى «تازمامارت افتراضية» بسبب الغليان الذي تؤججه في هذه المدينة أو تلك، وما يتلو ذلك من حملة اعتقالات بالجملة في صفوف مواطنين أبرياء. آخرها المأساة التي عرفتها مدينة دمنات يوم السبت ماي 2013حين خرج السكان في حركة احتجاجية عفوية ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء.
حادث دمنات لا ينبغي أن يقرأ بمعزل عن الحالات المماثلة التي تسبب فيها هذا المكتب في إشعال نيران الفتنة بالعديد من المدن. إذ عرف المغرب قلاقل واعتقالات بسبب الاحتجاج ضد المكتب الوطني للكهرباء والماء في مدن بني ملال +دار بوعزة والفقيه بنصالح ووايزغت ومقريصات وبني بوعياش وبوجدور و سيدي موسى المجذوب ووزان وزاكورة إلخ..
إن قضاة بني ملال، وهم ينظرون في ملفات ضحايا أحداث دمنات، مطالبون بعدم التقيد الأورتوذكسي بالنص القانوني وحصر القضية في كونها تجمهر عشوائي، بل هم مطالبون باستحضار السياق الذي اعتقل فيه 13 شاب ضحايا المكتب الوطني للكهرباء بدمنات حتى لا تتحول سجوننا إلى مكان لإخفاء فشل السياسة العمومية الخاصة بتدبير المكتب الوطني للكهرباء والماء في أكثر من مدينة. ويكفي المرء أن يقارن بين مناطق تم فيها التدبير المفوض لمرفقي الماء والكهرباء إلى شركات خاصة وبين المدن التي مازال يسيرها المكتب الوطني للماء والكهرباء والماء سواء على مستوى جودة الخدمات أو احترام آدمية الزبناء في مقرات لائقة أو على مستوى الشرعة في الاستجابة للطلبات أو على مستوى مسايرة إيقاع الحركة العمرانية بالتجهيزات التحتية.
إن حادث دمنات، وهو يسائل قضاة بني ملال فلكي لا يضطر المغرب غدا أو بعد غد إلى تأسيس هيأة إنصاف ومصالحة جديدة لتعويض أناس اعتقلوا ظلما وعدوانا لا لشيء إلا لأن حناجرهم بحت من تدبير عشوائي لمرفقي الماء والكهرباء دون أن ينصت لهم رئيس جماعة أو باشا أوبرلماني أو وزير، فأحرى أن يهتم بمطالبهم مسؤولو المكتب الوطني للكهرباء.