هل يستحق فيلم "زيرو" لمخرجه نور الدين الخماري كل هذه الضجة؟ سواء في صيغتها الإيجابية المدعومة بسيل من الجوائز التي منحت له هنا وهناك، أم في صيغتها السلبية، وما جره هذا الفيلم على نفسه وعلى مخرجه من انتقادات وتعليقات سلبية... بصيغة أخرى، ما هي وظيفة السينما في مجتمع ما؟ في مرحلة ما؟ من داخل تلك المقولة التي تعني صناعتها لعالم آخر مستقل بالضرورة عن الواقع الحقيقي، وبكامل الحرية التي يحتاجها المبدع لينقل لنا سينما مبدعة أساساً، لكنها حمالة قيم ورسائل، في تفكيكها للبنى الفكرية القائمة وفي تشييدها لقيم جديدة تقود المجتمع نحو حداثته الحتمية... من هذه الزاوية لا يمكن نفي شرط الإبداع عن فيلم نور الدين الخماري، في تكسيره لمفهوم الزمن وهو يستعمله بشكل دائري، منذ اللقطة الأولى، حيث يظهر البطل وهو ينظف بيته، ليعود لنفس اللقطة في منتصف الفيلم، ثم في آخره، هذا التقسيم الثلاثي الذي يبدو إبداعا في ظاهره، ما هو إلا استدراك لغياب الخط الناظم لتطور الحبكة القصصية داخل الفيلم، والتي شكلت نقطة ضعفه على مدى توالي الشريط المنسحب من بكرته... يعرض الفيلم لقصة شرطي، شاب في بداية مشواره المهني، موضوع على سكة الفساد، عبر الترخيص له من طرف رؤساءه الفاسدين بدورهم، باستغلال "ميمي" في اقتناص بعض المنحرفين وممارسي الدعارة ضد القاصرات، والذي يصادف امرأة قادمة من مدينة الخميسات، للبحث عن ابنتها القاصر بدورها، فتنتابه صحوة ضمير غير متوقعة، وينخرط في هذا البحث، واضعا يده في عش دبابير مؤلف من عصابة تمارس القوادة وتجارة المخدرات، وتضم في صفوفها رؤساءه وبعض من زملاءه... ضعف القصة، ونمطيتها بالضبط، إذ أننا نجدها في الكثير من القصص والأفلام القديمة، تم تغطيته (أي الضعف) باستعمال لغة بذيئة تمتح من قاموس الشارع السفلي، وهي إن كانت لغة جريئة وتعبر عن واقعنا المغربي، ولا نرى مانعا في استعمالها في الأعمال الإبداعية، سواء المرئية منها أو المكتوبة، إلا أن التركيز عليها، وجعلها المكون الأساسي الملفت للانتباه في كل لقطات الفيلم، أوقعه في سوقية مبتذلة... ما كان مثلا حوار البطل ووالده المرحوم مجد، والذي أبدع في أداءه، أن تكتنفه كل تلك البذاءة، إذ كان الاتفاق أن تلك اللغة سائدة في المجتمع الهامشي بشكل واسع، فيجب الاعتراف بأن استعمالها محدود في الوسط العائلي حتى لهذا المجتمع الهامشي... نفس الملاحظة في حوار البطل والمكلفة بالاستقبال في المستشفى، ثم البطل والطبيبة... اتسم الفيلم في مفاصل عديدة بنوع من الترهل والتفكك، وذلك على مستوى البناء الحكائي، إذ أن المتفرج يجد صعوبة كبيرة في تتبع الربط الحاصل بين مجموعات، أو جزر قصصية صغيرة تدور في نفس الفيلم، وذلك لابتعادها عن القصة الأصلية، أو لعدم اكتمالها: قصة الوالد المقعد؟ قصة ميمي صديقة زيرو؟ قصة الطبيبة ومحوريتها في بناء الفيلم بشكل عام؟ قصة المسؤول عن الأرشيف وجدوى إقحامه ضمن العصابة؟ ثم قصة الشرطي ذو البشرة السوداء .... قد يجد ذووا الاختصاص في الفيلم نوعا من الجودة التقنية، الظاهرة في نوعية الصور المسجلة، والاستعمال المكثف للمشاهد الخارجية، مع ما يتطلبه ذلك من إمكانات لوجيستيكية باهظة الثمن، لكن كل ذلك لا يعفي الفيلم من المساءلة النقدية، بطرح السؤال التاريخي: ماذا قدم هذا العمل لحقل السينما المغربية؟ عدا رفع الطابو عن لغة بذيئة نستعملها في حياتنا اليومية، وبشكل فج قد يساهم في تقليص عدد مشاهدي الفيلم، يبقى فيلما متواضعا ربما يليق بمستوانا السينمائي لا غير.