في عهد إدريس البصري لما انتفض المجتمع المدني ضد بناء المجازر البلدية الجديدة بعمالة سيدي عثمان بالدارالبيضاء ب 75 مليار سنتيم بواسطة قرض من بنك بلباو الإسباني، سخر الرجل القوي آنذاك في عهد نظام الحسن الثاني كل فيالقه الإعلامية والاستعلاماتية لتشويه حماة المال العام والمدافعين عن وجوب حصر الإنفاق على الأولويات. وبرر البصري مشروعه آنذاك بأن المجازر الجديدة ستذبح فيها 50 ألف بقرة و70 ألف حولي ونعجة، وبأن إشعاع المجزرة سيغطي الحوض الممتد من زحيليكة بجهة الرباط إلى خميس متوح بجهة دكالة، فإذا بالمشروع يلتهم 75 مليار وما يزيد ولا تذبح فيه اليوم سوى سبع بقرات عجاف وبضع نعاج نحاف. بل وازدادت أماكن الذبيحة السرية في البيضاء وضواحيها وتم إغراق بيضاوة بديون قدرها ستة ملايير سنتيم تسدد كأقساط سنوية إلى غاية 2029 للبنك الإسباني من طرف بلدية الدارالبيضاء. وبعد عزل البصري وفتح التحقيقات حول الفظاعات التي ارتكبها بالبيضاء، طفت على السطح المصالح واللوبيات التي استفادت من صفقة المجازر وباقي الملفات الكبرى. اليوم يتكرر نفس السيناريو، لكن بدل إمطار البيضاويين باللحم والسقيطة و«لكرعين» و«تقلية» و«لحم الراس»، تم تنويم الرأي العام بمشروع المسرح الكبير بغلاف 75 مليار سنتيم (يا للصدف) المقرر أن يبنى فوق أرض الفيلا التي كان يسكن فيها العامل المرحوم عبد الرحمان العلوي (بزنقة عبد الرحمان الصحراوي المطلة على ساحة محمد الخامس) وتم رفع شعار التنشيط الثقافي وهيكلة التراب الوطني وهندسة المجال الحضري. والحال أن الدارالبيضاء تضم حاليا 15 مسرحا «تعشش» فيها «رتيلا». إذ لو اعتمدنا خمسة ملايير كغلاف أدنى لكل مسرح (مثلا مسرح بوعبيد بالمحمدية مثلا كلف 15 مليار سنتيم)، فإن المجموع العام هو 75 مليار سنتيم سبق وصرفها البيضاويون على بناء مسارح وتجهيزها في البرنوصي وعين السبع وآنفا وسيدي بليوط وبنمسيك والادريسية (هذا المشروع لم يستغل أصلا منذ عهد الزهراوي عام 1983) والمعاريف، إلخ... ففي اللقاء الذي احتضنه فندق ريفولي بالدارالبيضاء، بعد زوال يوم السبت 19 يناير 2013، لتوقيع كتاب الناقد المسرحي محمد بهجاجي، ذهل الحاضرون للأرقام التي كشفها المخرج المسرحي المعروف عبد الواحد عوزري، علما أن عبد الواحد عوزري ليس من أولئك الذين ينطقون عن عبث أو تشفيا بالنظر إلى رصيده ومكانته في الحقل الفني. إذ قال عوزري، إن الدارالبيضاء تضم 15 مسرحا، ولا تشتغل الأضواء ولو ليلة واحدة لعرض مسرحية، علما أن الدارالبيضاء يسكنها 4 مليون نسمة، بينما بلدية باريز التي يسكنها فقط 2 مليون نسمة يعرض فيها كل ليلة 400 عرض مسرحي في مختلف القاعات التي تغص بها العاصمة الفرنسية (أنظر التفاصيل في ص28). إذن، إذا كانت الدارالبيضاء لم تتفوق في تنشيط 15 مسرح موجود أصلا فيها منذ سنوات، علما أن هذه المرافق كلفت -كما قلنا- 75 مليار سنتيم من ضرائب المواطنين، فما الجدوى من صرف 75 مليار أخرى لإنجاز المسرح الكبير بوسط المدينة؟ أين هي فرقه المسرحية؟ أين هي إدارته وموارده البشرية؟ بل أين هي ميزانية صيانته؟ بدليل ها هي المدينة قد خصصت سنة 2012 حوالي 2 مليار إضافية لترميم مسرح عين السبع وكمال الزبدي ومحمد زفزاف. أي زيد الشحمة في ظهر الحلوف، بينما تغرق أحياء المدينة في الأوساخ والحفر وغياب الحدائق والساحات وفضاءات لعب الأطفال.