لا بد من الإقرار بداية بأن قرار البرلمان السويدي بتبني لائحة بشأن الاعتراف بجمهورية البوليساريو هو نكسة حقيقية لأداء الدبلوماسية المغربية و نقطة تسجل لصالح جبهة البوليساريو . لذلك ومن باب التعاطي العقلاني مع تطورات الأحداث المرتبطة بقضية الصحراء يجب أن نقف وقفة مطولة إزاء هذا المستجد و إعطائه قدره الكافي من التشخيص و التحليل من أجل الوصول إلى الأسباب الحقيقية التي كانت وراءه و تحديد المسؤوليات وتحديد مكامن الخلل و اتخاذ ما يلزم من قرارات لكي يتم تفادي نكسات مشابهة مستقبلا. يجب أن نقر أن الاعتراف بالبوليساريو من طرف البرلمان السويدي كمؤسسة رسمية في واحدة من أكثر الدول ديمقراطية واحتفاء بحقوق الانسان هو حادث سياسي يعني الشيء الكثير من الناحية الدبلوماسية للنزاع في الصحراء. إن تبني ملتمس الاعتراف بدولة البوليساريو من طرف هذه المؤسسة التي تحتل مكانة محورية في النظام السياسي السويدي ليس بالحدث العادي المنعزل الذي يجب أن يمر دون أن يتم تقييم أداء الدبلوماسية المغربية ككل ،و ليس فقط سفارة المغرب بالسويد ،في الفترة الأخيرة و التي عرفت ضربات قوية للبوليساريو خصوصا في البرلمان الأوروبي و أيرلندا حيث استقبل زعيم البوليساريو من طرف رئيسها و قبل يومين في السويد حيث اعترف برلمانها في سابقة بأوروبا بدولة الجبهة .
التعاطي المغربي مع هذا الحادث الدبلوماسي المكلف جدا من الزاوية السياسية كان مخجلا جدا إن لم يكن مستهترا بالقضية برمتها حيث تم الانزواء إلى القاعدة الفقهية " أخف الضررين " في محاولة لتفسير و تبرير الحادث وذلك عبر تحويل النقاش من جوهر النكسة وضعف أداء الدبلوماسية المغربية و هزيمتها في التصدي لأطروحة البوليساريو في السويد إلى التخفيف من حدتها عبر التركيز على عدم أهميتها حيث أنها غير ملزمة للحكومة السويدية وأنها لا تعني أن دولة السويد ستفتتح سفارة للجبهة هناك ، بل وصلت بعض التحليلات إلى صفحات الدستور السويدي وقدمت لنا سبقا يفيد أن القرار هو تطاول على اختصاص الحكومة في السويد و أن البرلمان لا يحق له الخوض في قضايا الاعتراف بالدول .
إن المروجين لشماعة أخف الضررين " زعما راه غير البرلمان السويدي ماشي الحكومة" يتجاهلون أو يجهلون أنه في الدول الديمقراطية مثل السويد يحظى البرلمان و قراراته بقدر كبير من الاهتمام و الاحترام و أن تلك البرلمانات لا تتشكل من نواب " ضريب الغرزة ولاعبي السوليتير" كما هو الحال عندنا ، بل من شخصيات منتخبة ديمقراطيا تجر خلفها إرادة شعبية حقيقية يتم استحضارها في كل مناحي الحياة السياسية لتلك الدول .
فالقول أن الاعتراف من طرف البرلمان هو أمر عادي يعتبر عذر أقبح من الزلة. فبدل أن نساءل أنفسنا كيف وصلت الأمور إلى تبني برلمان من حجم برلمان السويد لتوصية تدعو الحكومة إلى الاعتراف بجمهورية البوليساريو نجدنا نتسابق إلى تسفيه القرار و الاستخفاف به و ليس تحميل المسؤولية لمن يتحملها و اتخاذ إجراءات حازمة في حقه
إن أهمية القرار و خطورته ، عكس ما تحاول بعض الأوساط تسويقه، تكمن في تبنيه من طرف جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان و ليست فقط الأحزاب المعارضة كما نقلت بعض وسائل الاعلام عن مسؤولين مغاربة. إن ذلك لدليل قاطع على إفلاس دبلوماسية المغرب في دولة السويد وأنه لا حاجة لسفارة هناك تكلف دافعي الضرائب الشيء الكثير بدون أن تصنع للمغرب و لو حليفا واحدا يمينيا كان أو وسطا أو حتى من اليسار .
ألا يجب أن نتساءل عن ما قامت به الدبلوماسية المغربية والتي يرأسها وزيران في الأسبوع الفاصل بين جلسة مناقشة لائحة الاعتراف و جلسة التصويت عليها . ألم يفهم الكثير من المحللين أن الهدف من تأجيل التصويت على اللائحة هوإتاحة الفرصة للمغرب من أجل التحرك لوقف العملية و العمل من أجل سحب المقترح من البرلمان. ألا يعتبر التصويت على اللائحة بإجماع الأحزاب المشكلة للبرلمان السويدي و بعد أسبوع من مناقشتها علامة دالة على درجة القصور والهواية الذي تعانيه الدبلوماسية المغربية .
إن اعتراف البرلمان السويدي بالجمهورية ''الصحراوية'' يفتح نافذة مشجعة للبوليساريو وأنصارها من أحزاب اليسار الأوروبي لمواصلة خطتهم في تسجيل الانتصارات الدبلوماسية على المغرب رغم محاولة هذا الأخير التقليل منها ، ولعل تعليق مسؤول خارجية البوليساريو محمد سالم ولد السالك على الاعتراف البرلماني السويدي في قناة الجبهة ليشكل ناقوس خطر لما قد يحمله المستقبل من أخبار غير سارة للدبلوماسية المغربية حيث قال بأن '' اعتراف البرلمان السويدي بالبوليساريو هو انتصار كبير و أننا ننتظر انتصارات مماثلة في المستقبل القريب".
تلميحات مسؤول خارجية البوليساريو لا يمكن تفسيرها إلا في سياق ما يتداول في بعض وسائل الاعلام من كون أنصار البوليساريو في باقي دول أوروبا الشمالية يستعدون لطرح مقترحات مماثلة لذلك الذي تبناه البرلمان السويدي ومن بين تلك الدول نجد النرويج و فنلندا و أيرلندا الشمالية .
كما لا يجب أن يسقط من ذهن المسؤولين المغاربة ما صرح به رئيس برلمان البوليساريو و رئيس وفد مفاوضاتها مع المغرب خطري أدوه الذي قال أنهم في قيادة الجبهة لا يستبعدون خيار اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحصول على صفة عضو مراقب بالأمم المتحدة كما حدث مؤخرا مع فلسطين.
إنها شروط المبارزة فمهما كانت اللكمة ضعيفة فإنها تسجل عليك ... المهم لدى الحكام و المتتبعين أنها استطاعت الوصول إلى وجهك ...