بعد رحلة طويلة على متن سيارة أجرة كبيرة من بني ملال حتى نقطة 33، لم نجد أي وسيلة تقلنا إلى وجهتنا «كان عليك دجي يوم السوق» هكذا رد على أسئلتنا «الكورتيي». بعد طول انتظار تدخل مواطن بتقاجوين ليتصل بأحد السائقين مترجيا إياه إيصالنا، هذا الأخير اضطر إلى تغيير اتجاهه من تغسالين إلى نقطة 33 حاملا بعض الركاب المتوجهين إلى تبادوت. وانطلاقا من هذه النقطة كان علينا أداء تذاكر كل المقاعد إلى تقاجوين... عند الاقتراب من نقطة فج تيزي تنوت أوفلال على علو 2070 مترا من سطح البحر، كانت الثلوج تكسو غابة الأرز وجنبات الطريق، وبعدما انعرجت سيارة محمد صوب الممر المؤدي إلى تقاجوين، بدت الطريق متآكلة. كانت الحفر في بعض الأماكن تمتد لمسافة عشرين مترا. وهي الطريق، يؤكد مرافقنا، التي «لم يمض على إصلاحها سوى خمس سنوات وثلاثة أشهر، فالثلوج التي تتساقط في كل مرة تؤدي إلى قطعها، وآخرها تلك التساقطات التي عرفها يوما الأحد والإثنين 11 و12 نونبر الجاري، حيث كستها أطنان من الثلوج وظلت حركة السير متوقفة لساعات والمنطقة في عزلة...».
يعتبر أهالي البلدة أن «المقاول لم يقم بعمله في غياب مراقبة»، ويوضح أحد المستشارين من المعارضة أنها «عبدت بدون دراسة واقتصرت المقاولة على اتباع المسلك، وبالتالي فهي طريق عشوائية كلفت حسب ما بلغنا حوالي 900 مليون سنتيم ولكن لانتوفر على إحصاء مضبوط بشأنها»، لكن عضو من الأغلبية المسيرة للجماعة، أوضح أن «الطريق لم تبرمجها الجماعة، إنما جاءت في ميزانية محاربة آثار الجفاف، وتربط بين تبادوت وتقاجوين مسافة 20 كلم، وفعلا فإن طريقة إنجازها غير مرضية».
مواطنون يصارعون قساوة البرد في هذه الظرفية التي تنزل فيها درجة الحرارة إلى مستويات دنيا لوجود الدوار على علو يتجاوز ألفي متر على سطح البحر «نقتني قنينة الغاز بثمن 20درهما، وعندما تنقضي نكمل بالشمع وقالب السكر ب12.50 درهما والزيت 12.50..» يؤكد عضو بإحدى الجمعيات بالدوار. عند الوصول إلى مركز تقاجوين بدا الدوار غارقا في الأوحال والثلوج، هذه الأخيرة التي كانت تتكدس بالأطنان على جنبات البيوت وفي ممرات المركز والجبال المحيطة به. وعند تساقط الثلوج يتعطل كل شيء في المركز: الأطفال يلزمون منازلهم ويختبئ السكان في البيوت، وعندما ترسل الشمس بعضا من أشعتها يسارع الأهالي إلى إزالة الثلج بوسائلهم الخاصة من أمام بيوتهم.
الأحذية المطاطية (البوطات) وغيرها المصنوعة من البلاستيك هي الأكثر استعمالا. حتى بيوت الدوار مجبرة على مقاومة قساوة الطبيعة، وهكذا اجتهد السكان في حمايتها من هبات الأمطار والرياح والثلوج القوية بتغليفها من الواجهة المطلة على الجبل بالخشب (القرطة) أو بالقصدير، أما الأشخاص الذين لم تتوفر لهم إمكانية اقتناء القصدير فيضطرون إلى استعمال البلاستيك.
غالبية المساكن مشيدة بالطين، والقلة شيدت بالإسمنت عشوائيا، إلا أن هذه الأخيرة تكون باردة جدا مقارنة مع تلك المقامة بالتراب. سوق الدوار الذي يعقد كل سبت كان ذلك اليوم شبه فارغ لعدم نزول القبائل المجاورة من الجبال المحاصرة بالثلوج. الكثير من السلع المعروضة في السوق هي أحذية مطاطية وأفرنة يستعملها أهالي البلدة في تدفئة بيوتهم.
منذ 1957 إلى حدود 1992، كان مركز تقاجوين تابعا لجماعة تونفيت، وانطلاقا من هذا التاريخ الأخير أصبح تابعا لجماعة سيدي يحيى أوسعد بدائرة لقباب إقليمخنيفرة، إلا أنه في سنة 2009 سيلحق بجماعة سيدي يحيى أويوسف. يقول الناشط الحقوقي مصطفى علاوي أحد أبناء الدوار«17 سنة نفس المعاناة نفس المشاكل»، قبل أن يضيف موضحا «في التقسيم الجماعي ل2009 عدنا لجماعة سيدي يحيى أويوسف مع العلم أن دوار تقاجوين يتوفر على موارد طبيعية وبشرية لتكون عنده جماعة، إضافة إلى التهميش الذي تلقته القرية من الجماعات التي كان تابعا لها». ويتابع علاوي قائلا: «تقاجوين عندها موارد والسكان مستعدون للنضال على قضية جماعتهم وهم يستعدون حاليا لإرسال مراسلة إلى رئيس الحكومة ووزير الداخلية يشرحون فيها بأن حل مشاكل تقاجوين لن يتأتى إلا بإحداث جماعة خاصة بهم تتبع لها الدواوير المجاورة. بمنطقة ملوية العليا».
مقر جماعة سيدي يحيى أويوسف يوجد على بعد حوالي 25كلم من تقاجوين عبر غابة إيديكل، لكن هذا المسلك الطرقي غير معبد مما يضطر الساكنة إلى قطع مسافة 135كلم عبر أغبالو إسردان ثم بومية فتونفيت ثم بواضيل حيث يوجد مقر الجماعة. وهذا كله من أجل الحصول على وثيقة. وتتعقد هذه المسطرة في حالة غياب الموظف المكلف بتسليم الوثيقة الإدارية.
وفيات في ارتفاع المستوصف الصحي القابع بالبلدة مجرد بناية فارغة لا يشغله سوى ممرض وحيد وصورة الملك الراحل الحسن الثاني المعلقة على أحد جدرانه.. أثناء زيارتنا كانت بعض النساء يتوافدن حاملات أطفالهن من أجل التلقيح، لكن عوض إجراء «الجلبة» يعدن ب«القويلبات»، لأن المستوصف لا يتوفر على وسائل التعقيم حسب الممرض المسؤول. حتى حبوب منع الحمل، تقول إحدى هؤلاء النساء «غير متوفرة» .
كل سنة يخطف الموت، بحسب تصريحات السكان، الرضع حديثي الولادة سنويا بسبب البعد والطرق غير المعبدة والتساقطات الثلجية التي تسد المسالك، لذلك فهم يطالبون بمركز صحي مجهز وقاعة ولادة وممرضة وطبيب دائمين وسيارة إسعاف.
معاناة النساء أثناء المخاض كثيرة، وآخر حالة ظلت تشكل ذكرى أليمة للساكنة هي حالة شابة تبلغ من العمر 29 سنة اسمها فاطمة باغتها المخاض وظلت 48 ساعة تتألم والثلوج تحاصر الدوار... تجند السكان وحملوها فوق جرار وتم قطع 22 كلم مشيا على الأقدام وكان السكان في طريقهم يزيلون الثلوج بوسائل بدائية، وبعد خمس ساعات من السير، وصلوا إلى تبادوت حيث سلموها لسيارة الإسعاف، التي كانت في انتظارهم. نقلتها السيارة إلى مستشفى خنيفرة ولحسن حظها أنجبت، وهذه الحالة التي وقعت منذ حوالي سنتين تخاف نساء القرية أن تتكرر كلما تساقطت الثلوج لأن المستوصف فارغ من الأدوية والتجهيزات وقاعة الولادة وسيارة الإسعاف ...».
تسع نساء توفين أثناء الوضع بسبب غياب ممرضة مولدة وسيارة الإسعاف حسب مصدر مسؤول، بحيث تصبح الحالة جد معقدة خاصة إذا كانت تتطلب إجراء عملية قيصرية. ويضيف نفس المصدر بأن البيئة الجبلية وقساوة الظروف الطبيعية تزيد من ارتفاع الوفيات في صفوف المرضى والمصابين. ويستحضر المسؤول قصة شاب توفي قبل ست سنوات واسمه محمدي العربي، عندما أصابه حجر على مستوى عنقه، فنتج عنه نزيف، وبسبب الطرق غير الصالحة تأخرت سيارة الإسعاف، فلفظ أنفاسه عند وصوله إلى واد سروا في الطريق إلى مستشفى خنيفرة».
مدارس بعيدة معاناة الأطفال تزداد بعد المرور إلى الإعدادي، حيث يتحتم عليهم الانتقال إلى تونفيت التي تبعد بحوالي 100 كلم للدراسة بعيدا عن أسرهم في الداخلية وهم مازالوا أطفالا صغارا وهو مايشغل بال أسرهم التي تطالب بشدة بضرورة «إحداث ملحقة إعدادية بالدوار لأن تونفيت باردة والداخلية لاتتوفر على تدفئة».
« آلمزوق من برا آش خبارك من لداخل»! مثال يصدق تطبيقه على مدرسة تقاجوين ذات البناء المفكك . فهذه الأخيرة لم تنفع صباغتها المثيرة في إخفاء عيوبها من الداخل. بعدما تتكدس فوقها أطنان الثلوج، تبدأ الجدران في التداعي مهددة أرواح التلاميذ ناهيك عن قطرات الماء المتساقطة على رؤوسهم ودفاترهم بسبب ذوبان الثلج. داخل الفصل يحشر مجموعة من الأطفال، بعضهم يرتدي أحذية مطاطية تتجاوز الركبة والبعض الآخر ينتعل صندل بلاستيك غير آبه بدرجات الحرارة الدنيا..
الانقطاع عن الدراسة هو أهم المشاكل المطروحة في هذه المناطق النائية حسب أحد المعلمين بهذه المركزية الذي يقول إن «التلاميذ ينقطعون عن الدراسة بسبب الفقر، وهناك تجمعات سكانية تابعة لآيت حنيني تبعد عنها المدرسة بسبعة كيلومترات، ولاتتوفر على فرعيات..».
الخبز والشاي الوجبة الأساسية في حياة الناس هنا. كل شيء في الدوار غائب. توجد بالدوار حوالي أربع سقايات لتزويد الساكنة بالماء القادم من الخزان المائي الذي يجلب له من عين بالدوار دون أن يخضع لأي مراقبة أو معالجة. وحسب عضو من معارضة المجلس، فإن هذا الخزان شيد سنة 1997 إلا أنه لم يشتغل حتى سنة 2003، ورغم اشتغاله فالسكان يؤكدون أنه يتعرض للأعطاب من حين لآخر وفي كل دورة انتخابية تخصص له ميزانية لإصلاحه ولايظهر منها شيئا.
تنتشر النفايات في كل أزقة الدوار، وبالنسبة للسكان فإنهم لايجدون مفرغا للتخلص من الأزبال، مايضطرهم إلى رميها أمام بيوتهم. الكلاب الضالة أضحت مصدر تهديد للساكنة والأطفال، ففي كل مرة يتعرض أحدهم لاعتداءاتها خاصة وأن عددها تكاثف وسط القرية.