إلى ماذا يسعى مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة؟ هل يقود "انقلابا أبيضا" على إسيعلي أعراب، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال الذي يوصف برجل "الهمة"؟ أم أن الخطوات التي يقدم عليها الوزير هذه الأيام يحكمها حسن النية أم أن الوزير الشاب يريد أن تحسب له حتى اصغر الإنجازات ولو استدعى الامر الترامي على اختصاصات المدراء التابعين لقطاعه،
قبل مباشرة عملية محاولة الفهم، لابد من تأمل هذا الخبر : مساء يوم أمس السبت يتوصل الصحافيون ببلاغ من طرف سعد لوديي، مدير ديوان مصطفى الخلفي وفيه رزنامة من ستة إجراءات هي حلول الوزير ل"التطورات التي عرفها المعهد العالي للإعلام والاتصال"، ودرءا لأي شبهات مثل التي حدثت السنة الماضية ومازالت تلاحق الوزير، قدم البلاغ التبرير التالي "وزارة الاتصال باعتبارها الجهة المشرفة على ضمان اضطلاع المعهد بدوره في البحث والتكوين والتأطير
الخلفي والتباس حسن النية
بالمنطق البريء لا يمكن للأطراف الثلاثة : نقابة أساتذة المعهد العالي للإعلام والاتصال،والطلبة الثلاثة القائدين للإضراب خارج شرعية جمعية الطلبة واجهزتها، والمكتب النقابي للموظفين والعاملين بالمعهد إلا الاعتزاز بوزير شاب فوق العادة يتدخل بسرعة فائقة وخارج الزمن المغربي لإيجاد حلول لإضرابات وأزمات انطلقت شراراتها لتوها، وبالمنطق البريء دائما لا يمكن لجيران المعهد العالي للصحافة بشارع علال الفاسي بمدينة العرفان : مدرسة علوم الإعلام ومعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة إلا أن يكنوا لساكنة بناية معهد الصحافة كل الحسد على مثل هكذا وزير، وقد يناشدون عبد الإله بنكيران أن يعين لهم الخلفي وزيرا وصيا على معاهدهم بدل الإتحادي أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط بالنسبة لمدرسة علوم الاعلام، والملياردير عزيز أخنوش وزير الفلاحة بالنسبة لمعهد الزراعة والبيطرة يؤكد مصدر متتبع.
وبالمنطق الاكثر عقلانية في الراهن المغربي، فإنه لا يمكن للشيطان إلا ان يخوض في التفاصيل وبعض التاريخ حتى يؤتي كل ذي حق حقه، وللوصول إلى هذا المسعى لابد من استحضار ما وقع السنة الماضية:لما تداولت بعض الجرائد والمواقع "أول فضيحة لمصطفى الخلفي وهو في فورة الانتشاء بفوز حزبه، وبعفوية المبتدىء في موقع الوزارة '.ففي "عز انشغال طلبة المعهد بإعادة النظر في الترسانة القانونية لمكتبهم النقابي ممثلا في جمعية الطلبة وانتخاب مكتب جديد ومسؤول بعد حقق أحد الأطفال كل نزواته وإشباع عقده في حب الظهور وفطم نفسه بنفسه من رئاسة الجمعية في السنة الرابعة"، يقول مصدر من المعهد مضيفا "كود" "برزت في الجانب الآخر وباستغفال للجميع وجوه جديدة على ساحة النضال، ومعهم واحد معروف بسوابقه في الإبلاغ والتبليغ في السنة الأخيرة للفراغ الإداري، اي عندما كان المعهد بدون مدير، أعلنوا عن إضراب مفاجىء اطرته لعبة مفضوحة هي "لنضرب لنصف ساعة، لنعلن مسبقا رفض أي حوار مع مؤسسة المدير، الخلفي سيأتي لمحاوراتنا على الفور"، وكذلك كان، فدشن الوزير ، الجديد ولايته بأول فضيحة : "تلقى عنها الكثير من العتاب لدى أحد زملائه من الوزراء القدامى، فحتى قبل تدفئة كرسيه بعد التعيين الملكي، وحتى قبل تنصيبه دستوريا من طرف البرلمان"، ويضيف المصدر قائلا:"جاء الخلفي إلى المعهد مهرولا في لعبة ظاهرها الفاعلية في إطفاء شرارة الأزمة، وحقيقتها : استغلال للنفوذ والترامي على صلاحيات مؤسسة معينة بدورها من طرف الملك اي مدير المعهد، وحقيقتها كذلك هو إظهار "الإخوان" القواد الجدد للنضال بكونهم ذوي الأحقية في الحصول على أصوات الطلبة في انتخابات الجمعية تمهيدا لتاسيس لجان المسجد ولجان تنظيم ليالي السماع والمديح بحضور مقرئي الحركة المعلومة ورموزها"، هذا الطرح حسب قائله السنة الماضية يعززه كون "الحركة المعلومة اكتسحت كل المعاهد العليا بمدينة العرفان وحده المعهد العالي للصحافة محصن منهم"، نفس الواقعة يقول عنها أحد الطلبة الذين حضروا وقائعها:"لكن "بلطجيا" محسوبا على الإتحاد الاشتراكي وتحت مسمى "احترام المؤسسات" رتب الامور بدقة فافتضح أمر الوزير وقواد الإضراب من "الإخوان" وانسحب الخلفي كالمعتذر ولكن بعد أن خانه لسانه" وقال : "كنت على علم بتنظيم الإضراب منذ يوم الجمعة ثم أخذ معه غريمه مدير المعهد غلى الغداء لجبر الضرر الذي لحقه" يؤكد المتحدث
إذا ما صحت هذه الرواية التي توصلت بها "كود.ما"، فإن مصطفى الخلفي بدا كمن أرجع سيفه إلى غماده وبعد هذه الحركة التسخينية، انشغل بمعركة دفاتر التحملات مع العفاريت والتماسيح قبل "ان يجر وراءه أذيال الخيبة مرة أخرى، إلى حدود بداية الموسم الجامعي الحالي"، ويقول مصدر متتبع لشؤون المعهد والوزارة "فبعد أن استعاد انفاسه يبدو أنه "وجد حصيلة سنة من تدبير الوزارة تساوي اكثر بقليل من الصفر، ففطن إلى ان معركة التماسيح والعفاريت لم يربحها متمرس مثل العربي المساري فمابالك بالوزير الشاب، وربما قال في قرارة نفسه ان الحصيلة المخيبة تمكن صباغاتها وملء " فراغاتها بقليل من الذكاء بتحالف تكتيكي مع من أحس بأن لا مكان له في عجلة التجديد والتغيير بالمعهد العالي للصحافة لأسباب عديدة" حسب مصادر "كود
في فرضية تناقض وجهات النظر وقبل بلاغ ليلة السبت، كان قد صدر بلاغ سابق قبل أيام ونشرته وكالة المغرب العربي للأنباء -التي اصبحت بقدرة قادر ناطقة باسم وزير إسلامي هذه الأيام- ، وجاء فيه أن الوزير التقى بفرع النقابة الوطنية لاساتذة لتعليم العالي بالمعهد وتدارس معهم مشاكلهم، وهنا نبدأ بتوسم بعض مفاتيح خلفيات مساعي الخلفي من خطواته الأخيرة، وهي التي حصلت عليها "كود" لدى مصدر مقرب من مدير المعهد، فنقل عنه المصدر، أنه -المدير- لا يعتبر "مساعي الوزير موجهة ضده كمدير، فبالعكس هما على اتصال دائم ويجمع بينهما الكثير من الأصدقاء المشتركين"، مضيفا أن "المدير جرى تنسيق بينه وبين الخلفي حول البلاغ الاخير ومضمونه قبل التأشير عليه " يؤكد المتحدث ذاته
لكن لماذا يبدو كل هذا كانقلاب أبيض من الوزير على المدير؟ المصدر المقرب يجيب قائلا : « قد تفترضون أن المدير والوزير يحملان مشروعان متعارضان، حيث أن المدير عين على أساس برنامج بدأت ثماره تلمس بالمعهد على مستوى التجديد الذي عرفه المعهد وفضاءاته وبوتيرة سريعة اللهم بعض العراقيل االمتعلقة بالمساطر التي من الممكن أن تتسبب في بعض التأخير لكل المشاريع العمومية، بينما الوزير له مشروعه المتعلق بالأكاديمية الوطنية العليا لمهن الاعلام والاتصال والتي تضم الى جانب المعهد، مدرسة مهن السينما والتلفزيون التي تتقدم بها الأشغال وهي مشروع أرسيت دعائمه سنة 2008 في عهد الوزير السابق خالد الناصري، ثم معهد ىخر قيد الدراسة ويتعلق بمعهد لمهن الإشهار". يضيف المتحدث مفسرا : »افتراض مثل هذا مغلوط اما الاختلاف الطفيف مع الوزير فهو يكمن في وجهة نظر المدير الذي يرى ان المعهد يجب أن يبقى هو القاعدة الاساسية لكل هذه المشاريع"
هل تحتمي النقابة بالوزير ولماذا؟
قبل الإضراب المفاجىء للطلبة التي يؤكد أكثر من مصدر أن الذين أطروه هم ثلاثة طلبة مشكوك في علاقتهم بالوزير وتنسيقهم المباشر معه وغير ممثلين في المكتب النقابي للطلبة ممثلا في جمعية طلبة المعهد العالي للإعلام والاتصال بعد أن كشفت مساعيهم السنة الماضية في السيطرة على مكتب الجمعية، وكانت قاعدتهم هذا الموسم بشكل كبير هم طلبة السنة الأولى الذين ولجوا حديثا الى المعهد، فإن وكالة المغرب العربي للأنباءسبق أن نشرت بلاغا للوزارة الاسبوع الماضي حول لقاء جمعه بنقابة أستاذة المعهد، ومن هنا يلوح سؤال مشروع : هل فشلت النقابة في التحاور مع المدير ولجأت بدورها إلى الوزير؟ وهل هذا المدير "عنتري" إلى الحد الذي يدفع الجميع الى اللجوء الى السلطة الحكومية المشرفة على المعهد ممثلة في وزارة الاتصال؟
ر"كود.ما" لم تتمكن من الوصول إلى النقابة للتواصل معها، باستثناء مايرويه بعض الصحافيين من خريجي المعهد حول كون المكتب النقابي للأساتذة يقوده صقور أصبحت قصصهم مع بعض طلبتهم معروفة، ومنها أن بعض خريجي المعهد أصبحوا يحتلون مواقع المسؤولية إن لم يكونوا في نهاية مساراتهم المهنية، لكن أسماءهم مازالت تعلق كل سنة بلوائح في المعهد وأمامها مواعيد إجراء امتحانات استدراكية في بعض المواد يدرسها هؤلاء الصقور وتحول بينهم وبين تسلم دبلوم المعهد منذ سنوات، ويقول مصدر لكود : »قبل حوالي سنتين ومباشرة بعد تعيين المدير الجديد للمعهد غامر مجموعة من الطلبة فرفعوا مذكرات الى الادارة بخصوص عنتريات هؤلاء الاساتذة، لكن المعركة انتهت بالتضحية بمجموعة من الاساتذة الزائرين أما الصقور فقد بقوا في أماكنهم"، مصدر عليم من داخل الإدارة يعزو في اتصال مع "كود" الاحتماء المفترض للاساتذة بالوزارة إلى ما أسماه : »من جهة يبدو ان المدير قد فشل في إشراك الاساتذة في مشروعه الإصلاحي وعوض أن يمسك العصا من الوسط، همشهم، ومن جهة ثانية يبدو أن بعض الموظفين والأساتذة أحسوا بعدم قدرتهم على مسايرة الايقاع الجديد لمدير المعهد في تزيله لمضامين مشروعه المواكب لآخر مستجدات تكنولوجيا الاعلام والاتصال، وعلى سبيل المثال تكوينات بعض التقنيين لا يمكن أن تواكب المستجدات الحديثة في الميدان فأحسوا بالمقصلة تقترب من رؤوسهم"، حسب تفسير المتحدث، أما الطلبة قادة الاضراب فما إن صدر بلاغ الوزارة الأخير بخصوص معهدهم، فإنهم بنشوة المنتصر علقوا على صفحاتهم بالفيسبوك وبأكثر من صيغة "هنيئا لنا، الوزارة سحبت البساط من تحت أرجل الإدارة".
إلى هنا يبدو أن الكثير من التفاصيل والمعطيات غائبة حول مساعي الوزير في علاقته بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بمديره، فأصبحت هذه القضية مثل بركة آسنة تحتاج إلى أكثر من حجر ليرمى فيها، لعلها تنضح بمزيد من المعلومات، لكن الخطوة التي أقدم عليها الوزير هو نشر شريط فيديو من إنجاز أحد المواقع الاخبارية تحت عنوان : « الخلفي في الورش » يؤكد سعي الوزير الى تسويق إنجازاته وتدوينها منذ الآن رغم ان ورش معهد مهن السينما هو في الاصل مشروع لسلفه الشيوعي خالد الناصري، أما عبارة « الخلفي في الورش » فهي بالفعل تستحق أكثر من وقفة تأمل وترقب,