إلى آخر لحظة كان ساركوزي واثقا من نفسه ومستصغرا لخصمه، ورغم أن هزيمته كانت متوقعة فقد ظل ملحا على التقليل من شأن فرانسوا هولاند، ولم يكن يصدق أبدا أنه سيأخذ مكانه. إنه الرئيس الفحل في مواجهة المرشح الرخو والمترهل الذي لا يستطيع قول لا، هذه هي الصورة التي حاول أن يرسمها عن غريمه، مستعينا برمزية الجنس، كي يقنع الفرنسيين بإعادة وضع الثقة فيه، كأنه يقول إن فرنسا ستصاب بالعنة إن لم تصوت له.
شخص مثل ساركوزي لا يمكنه أن يتحمل الهزيمة، إنه أكبر من الدولة، كما قال أحد أنصاره لحظة ظهور النتائج، أي أن فرنسا لا تستحق أن يكون لها زعيم من حجمه، وذهابه يعني في نظره خسارة لفرنسا.
لم تعرف فرنسا في تاريخها رئيسا مستحوذا ونشيطا مثل ساركوزي، وبغض النظر عن سقطاته وأخطائه، فقد كان يحتل دائما المشهد وعلى الجميع أن يقف خلفه، ولم يكن يحتمل أن يسرق منه أي وزير نجوميته، وكلما ظهر من يحاول أن يتحداه يقضي عليه في الحين، كما حصل مع دوفيلبان المثقف والبليغ والذي لا يرتكب أخطاء في اللغة.
حتى قامته القصيرة رفضها وحاول أن يظهر طويل القامة واختار أشخاصا أقصر منه ليقفوا خلفه في خرجاته الإعلامية، كما انتقى زوجة عارضة أزياء وطويلة القامة ليصعد أكثر ولتلتقط له صور أكثر، وليتحدث عنه الجميع أكثر، قبل أن ينقلب السحر على الساحر، ويبدأ العد العكسي لنهايته، لأنه اختار أن تصبح السياسة معه فرجة و"شاو" يوميا.
لم يكن ساركوزي يمثل حزبه، بل كان حزبه يتبعه ويمثله، وكان مستشاروه والدائرة المحيطة به يفهمون نوازعه ورغبته الملحة في ممارسة السلطة إلى أقصاها، فكانوا إرضاء له يفوقونه تطرفا ومحافظة ويمينية، لذلك لم يكن اليمين الجمهوري هو الخاسر في هذه الانتخابات، بل فرد واحد، هو ساركوزي، الذي بذهابه، يمكن أن يعود حزبه إلى دوغوليته السابقة، التي تنكر لها نابوليون فرنسا الجديد، والذي رأى أن الدولة ولتكون قوية فهي تحتاج إلى"ملك"، تقمص شخصيته في ظل نظام جمهوري. حين أعلنت النتائج نقلت الكاميرا مشاهد لأنصار ساركوزي وهم يذرفون الدموع، وهي صورة غير متعود عليها في الديمقراطيات، كأننا في دولة من العالم الثالث، حين يموت البطل الديكتاتور أو يتخلى عن السلطة، يبكي الناس ويشعرون بالفقد واليتم، لهذا يشكل فوز هولاند فرصة ليعود الفرنسيون إلى سابق عهدهم وليتخلصوا من السحر والتنويم الذي عاشوا فيه لمدة خمس سنوات، ولتعود للسياسة معناها مع رئيس لا يزعم أنه سوبرمان، ولا يدعي أنه لا يمكن أن تقوم لفرنسا قائمة من دونه.