قضية الغزيوي و النهاري أعادت إلى المشهد "المجتمعي" المغربي الحديث عن الحريات الفردية،بعدما خفّ الحديث عن الحرية و الكرامة والديمقراطية..!غير أن التأمل الهادئ في هذا "اللغط" يفضي إلى طرح بعض الأسئلة:ما موقع المثقف المغربي في "النقاش" الدائر حاليا؟وما الجدوى من إثارة نقاش سطحي بأقلام غير متخصصة؟ إن النقاش حول مفهوم الحرية عميق و متجذر في الفكر الغربي،فكبار الفلاسفة اليونانيين كسقراط و أفلاطون جعلا الارتقاء إلى الحرية حكرا على فئة من المجتمع قادرة على اختيار الأفضل،عن طريق المعرفة و العلم و النظر و التأمل...ومع تقدم المجتمعات الغربية،بدأ يُنظر إلى الحرية كمفهوم ميتافيزيقي باعتباره مفهوما عصيا على التحديد;ولذا فضل هوبز و روسو استعمال مصطلح التحرر الدال على القدرة على اتخاذ قرار بعينه،لكن هذه القدرة ارتبطت،أيضا،لدى فلاسفة العقد الاجتماعي بتطور وعي الإنسان،فلا حرية دون وعي متحرر،وبذلك ظهرت تلك العبارة التي يرددها الكثير من الناس دون إدراك لسياقها التاريخي و الثقافي:"الحرية تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين".وهي العبارة التي زادت مفهوم الحرية تعقيدا،باعتبار الحدود الوهمية بين حريتي و حرية الآخر،مما أدى إلى الإعلاء من شأن القوانين الوضعية باعتبارها الضامن للحريات والراسم لحدودها. إن الفلسفات السياسية ترى أن التحرر- بمعناه الواسع - يتمثل في التحرر من ضغط الأنظمة الاستبدادية ،بينما حصْر الحرية الفردية في ممارسة الجنس،أو الإفطار العلني في رمضان..ينم عن ضيق أفق خطير،يساهم-بشكل أو بآخر-في خدمة مصلحة الطبقات المستبدة،التي لا يخيفها التحرر الجنسي بقدر ما يخيفها التتحرر الفكري.فإذا كان هوبز و لوك و روسو ومونتتيسكيو و فولتير..-رغم اختلافاتهم- قد أسسوا لما سُمي بالعقد الاجتماعي القائم على ثنائية الحقوق و الواجبات، فمن المؤسف أن تقتصر الدعوة إلى ممارسة الحريات الفردية في المغرب على أعمدة الصحف والشبكات الاجتماعية،خارج أي إطار نظري أو ثقافي.! إنني لمن المدافعين عن الحريات الفردية ،لكن،لِنتذكرْ أن تحرر الإنسان لا يتم إلا بتحرير العقل .ولنا في ابن رشدوغاليلي و كوبرنيك وغيرهم عبرة