مع كل هذا الجدل التي تثيره دفاتر التحملات الإعلام العمومي التي أعدها مصطفى الخلفي وزير الاتصال، إلا أنها يمكن أن تظل مجرد تقارير أدبية ما لم يوفر لها التمويل المالي اللازم من قبل الحكومة لتنفيذ التزاماتها من طرف شركة القناة الثانية والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة. وهنا سيبدأ الشوط الثاني من الصراع حول دفاتر التحملات عندما سيشرع الخلفي في التفاوض مع وزارة المالية حول التكلفة المالية لتنفيذ هذه الدفاتر. هنا مرة أخرى ستتقاطع الأنظار. فالخلفي يعلن سياسيا بأنه سيوفر الدعم اللازم، لكن يراهن بشكل كبير على الحكامة الجيدة في تدبير هذا التمويل في اعتراف مبطن بأن أموال العقود البرامج التي صرفت خلال السنوات الخمس الماضية لم تكن كلها تذهب في الاتجاه الصحيح ويلوح بين الفينة والاخرى بأنه يتوفر فوق مكتبه بالوزارة على تقارير من مفتشية المالية تثبث وجود مجموعة من الاختلالات المالية بالإعلام العمومي. أضف إلى ذلك حدود قدرة الميزانية العامة على تحمل تكاليف تلفزيون ينتقده المغاربة يوميا. أما مسؤولو القناتين فيؤكدون ان تنفيذ دفاتر الخلفي تحتاج على الأقل لثلاثة أضعاف العقود البرامج التي كانت توقع في السابق على اعتبار ان ميزانية القطب العمومي المقدرة حاليا باثنين مليار درهم لن تكون كافية مستقبلا. وبين الرأيين تتسع لائحة الخاسرين المحتملين في لعبة الاستفادة من كعكة التلفزيون العمومي وخصوصا بعض شركات الإنتاج التي اعتادت تمرير صفقاتها كل سنة مع القناتين دون المرور بأي طلب عروض او أي مسطرة انتقاء إدارية وفنية. وبالتالي فهؤلاء يخافون ان يلتجا الخلفي إلى ما التجا إليه زميلاه في الحزب والحكومة الشوباني والرباح عندما كشفا عن لائحة المستفيدين من الجمعيات من الدعم الأجنبي وكريمات النقل. إن محاولة تمديد الصراع حول دفاتر الحملات إلى معارك اكبر حول اللغة والدين والهوية، هي مجرد كلمة حق اريد بها باطل. فالمعركة أساسا معركة مالية ومعركة مصالح ستنقلب معادلتها مع حكومة بنكيران على خلاف حكومتي عباس الفاسي وادريس جطو اللتين اشتغلتا على ملف التلفزيون العمومي بمبدأ كم حاجة قضيناها بتركها على اعتبار أن فيصل العرايشي كان هو الوصي على الوزارة الوصية أي وزارة الاتصال ولا ادل على ذلك ان نبيل بنعبد الله وضع الكاتب العام لوزارته انذاك محمد عياد مديرا عاما للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة قبل أن يغادر الحكومة، ليجد المغاربة انفسهم اليوم امام تلفزيون عمومي بدون هوية ذاتية ومع ذلك ينصب اليوم نفسه مدافعا عن هوية كل المغاربة.