إذا تأكد فعلا أنه تم إلغاء مهرجان الرقص الشرقي الذي كان من المرتقب أن ينظم في مدينة مراكش، فهذا يعني أنه علينا أن نستعد لتوقع الأسوأ في هذا البلد، وأن هذه الخطوة ستمهد لخطوات أخرى، وأننا سلمنا المغرب لأعداء الحياة والحرية. ومهما كانت الجهة التي أصدرت الأمر ورضخت لضغوطات الظلاميين، فهي بذلك تقدم هدية مجانية لكل من يسعى إلى فرض وصايته على المغاربة، وصاية مبنية على التحريم والقمع والتضييق ومحاصرة العقول، في إطار مشروع مخطط له بعناية، يعمل على تكريس نموذج معين للعيش، كل من يختلف معه ويقف ضده هو بالضرورة فاسق وكافر وصهيوني.
الأخطر أن بعض المنظمين والمشاركين في هذا المهرجان تعرضوا لتهديدات بالقتل من قبل مجهولين على صفحاتهم في الفيسبوك، وذلك بتجييش من الإسلاميين والقومجيين وبعض هواة النضال والوقفات الاحتجاجية.
والأكثر خطورة هو الخطاب الذي صاحب هذه الحملة ضد مهرجان للرقص، من أشخاص شقوا صدور المشاركات في المهرجان وتأكدوا أنهن صهيونيات، وهي موهبة حبا الله بها خالد السفياني وإخوان العدالة والتنمية، الذين يكتشفون بسهولة مثيرة وجود صهاينة في المغرب، من خلال حركات هز البطن ربما.
إنها مقدمة لأشياء أخرى يمكن أن تقع في القادم من الأيام، فبعد أن أصبحت الفنانات عاهرات وبعد أن أصبح الرقص حراما وأصبح رفض تسليم الإعلام العمومي للمتطرفين الدينيين ليعيثوا تزمتا وانغلاقا في الهوية والتعدد والانفتاح المغربي بمثابة ضغط تمارسه جيوب مقاومة التغيير، علينا إذن أن ننتظر الكارثة وأن نقف مكتوفي الأيدي أمام هؤلاء الذين يعملون بكل ما أوتوا من قوة على سرقة المغرب الذي نعرفه، وتحويله إلى ملكية خاصة لهم، يزرعون فيه السلفيين والحقد والكراهية ومعاداة الآخر، ويبنون ثقافة منغلقة ضد الرقص والسينما والأدب والبهجة وحب الحياة، وضد كل تراثنا وحضارتنا بكل فسيفسائها.
لا نعرف بالضبط ماذا سيلغون غدا، لأنهم يفهمون الديمقراطية باعتبارها غزوة على البرلمان وعلى البلد، وكلما سمعوا صوتا معارضا، هددونا بمواجهة شعبية في الشارع كما فعل نائبهم البرلماني عبد الله بوانو، الذي يريد منا أن نصمت ونرضخ ونتركهم يحتلون المغرب ويلغون هويته، وإلا خرجوا وزرعوا الفوضى وهددوا الاستقرار، بمنطق نحن الأقوى ونحن الذين نحتكر الدين ونوظفه في استغلال المغاربة البسطاء، ونحن خلفاء الله في الأرض.
اليوم ألغوا مهرجانا للرقص والحبل على الجرار، ولن نستغرب إن منعوا الغناء والتمثيل وظهور النساء في الأفلام، وتطاولوا على الحياة الخاصة للناس وتدخلوا في حرية كل فرد، لأن كل هذه الأشياء مقترنة في أذهانهم بالفساد والعهر.
لأول مرة أشعر فيها حقا بالخطر، وأن هذا البلد مهدد في حريته، ولأول مرة أكتشف معنى كلمة مقاومة وأطبع معها حفاظا على هذا الضوء القليل الذي ينير ظلمتنا، وكي لا نضطر يوما ما إلى الاكتفاء برقصة وحيدة هي رقصة الموت.