إلى وقت قريب كنت أعتقد أن الطوارق لا يوجدون إلا في رأس الكاتب الليبي إبراهيم الكوني، تعرفت عليهم في رواياته يتحدثون إلى حيوانات الصحراء ويفهمون لغتها، كما رأيتهم في الأفلام، عبارة عن رجال ملثمين دائمي الترحال ولا يستقرون في مكان، ومرة شاهدت إحدى قبائلهم في شريط وثائقي تتحدث لغة هجينة فيها كلمات عربية، نساؤها يعرين صدورهن ويغطين رؤوسهن اتقاء ربما للرياح ولرمال الصحراء، حيث المرأة تلعب دورا كبيرا وتتمتع بسلطة لا يتوفر عليها الرجل في ظل مجتمع أميسي يختلف تماما عن المجتمعات البطريركية. لقد أنشأ الكوني دولة لهم من الخيال قبل أن يعلن شعب الأزواد استقلاله عن مالي، وفي تلك الدولة عاش قراؤه مع أمازيغ ليبيا وعوالمهم وتعرفوا عليهم وعلى ثقافتهم وملاحمهم، قبل أن أكتشف أن لإبراهيم الكوني شقيق من لحم ودم يعتبر زعيما لهم ويمثلهم في المجلس الانتقالي الليبي. يسميهم المتخيل الغربي الرجال الزرق تلميحا إلى لباسهم المتميز، وفي الأدب والسينما تعتبر الهجرة إلى عوالم الطوارق بمثابة نوع من التحرر والخلاص والعودة إلى الطبيعة في شكلها الأول والنقي قبل أن تفسدها الحضارة وقيم الربح والاستغلال، وهناك من لا يقترن الطوارق في أذهانهم إلا بنوع من السيارات الرباعية الدفع والغالية الثمن. وبتأثير الأدب والسينما دائما اقتنعنا أن الطوارق لا وطن لهم، وأنه من حقهم أن يتنقلوا بلا جوازات سفر، كل الأرض لهم وأن الاستقرار هو عدوهم، نفس الصورة التي نرسمها تقريبا عن الغجر، ونتمنى في قرارة أنفسنا أن نكون مثلهم، نعيش الحرية ونتخلص من ضيق الفضاء ومن ضغوطات العمل والخضوع للوقت.
في روح كل مغربي وجزائري وليبي يوجد طوارقي كامن، كهوية مغيبة، لكنها حاضرة رغم ذلك، وتفرض نفسها ولو كمتخيل، وتبرز في الغناء وفي اللغة وفي الثقافة والتاريخ أيضا، ورغم أن الموقف الرسمي للحكومة المغربية من إعلان الأزواد عن استقلالهم عن مالي يخضع لمنطق الدولة ولمصالح المغرب، إلا أن ذلك لم يمنع جمعيات أمازيغية من التعبير عن مساندتها للأزواد.
لأول مرة إذن يخرج الطوارق من الخيال إلى الواقع، يغادرون الروايات والأفلام السينمائية ولوحات الرسامين والصور النمطية التي علقت بهم، ليتحولوا إلى مشكل سياسي يؤرق أكثر من دولة، في منطقة شبيهة بحقل ألغام، تعاني من الفقر والجفاف وانتشار الإسلام المتطرف والمرتبط بإرهاب القاعدة، حيث من المتوقع أن يلغي الواقع تدريجيا نظرة العالم الحالمة إليهم، بعد أن يحملوا السلاح ويعلنوا الحرب ويخلقوا العداوات مع جيرانهم ومع الدولة التي قرروا الانفصال عنها، وبعد أن يلتحق بهم إخوانهم في النيجر وفي مناطق أخرى وبعد أن يساندهم الأمازيغ، حينها لن يعود الطوارقي كما كنا نعرفه، وسيتحول إلى كائن يقتل ويدافع عن نفسه ويبحث عن السلطة وينتظم في جيش وفي مؤسسات وسيصبح له قادة وقد يفرز زعيما مستبدا، أما ذلك الذي يحاور الصحراء ويناجيها ويعتبرها هي أصل الكون والذي يعقد صداقات مع المعزاة والودان والوحوش، كما نقرأ في روايات الكوني، فإنه سينقرض وسنكتشف الطوارقي الحقيقي الذي يطالب هو الآخر بدولة وبحدود مرسومة وببيت يستقر فيه عوض الخيمة التي كان يأخذها معه أينما حل وارتحل.