إذا كانت المواعدة عمياء فعلى السلطة أن تكون متبصرة. عليها أن لا تعاقب الذوق السيء. لأنه يبقى في النهاية مجرد ذوق سيء. ولا يضر أحدا. على السلطة أن لا تتأثر بالشارع. وبحمقى الأنترنت. وبمن ترعبهم تنورة قصيرة. وموضة عابرة. على السلطة أن لا تصيبها العدوى. وتصير عمياء هي الأخرى. ومن يعاقب هؤلاء الأولاد. ومن يرى في ما قاموا به جريمة. ومن يعتبر ذلك إخلالا بالحياء. و مسا بالأخلاق. فما عليه إلا أن يطالب بإغلاق الأنترنت. ومنع المغاربة من رؤية ما يحدث في الخارج. و من فرض هندام معين. وذوق معين. على الشعب المغربي. تماما كما هو الحال في إيران. وفي كوريا الشمالية. وأي انحراف. وأي تشبه ب"الغرب". يعرض صاحبه للتحقيق. وللمساءلة. بينما لا أحد يريد هذا المغرب. الذي تخاف فيه السلطة من مراهقيها. ومن لباس قصير. و من كلام لم نتعود عليه. ومن جيل جديد. ولد في عالم جديد. كل شيء فيه متوفر. وكل الصور. وكل الحياة. وكل المعلومات. وكل الحريات. وكل الأذواق. و قد يكون ما رأيناه نحن الكبار في المواعدة العمياء. على الطريقة المغربية. صادما لنا. و ربما يعود السبب في ذلك إلى أننا ننتمي إلى زمن لم يكن فيه أنترنت. ولم يكن فيه يوتوب. ولم يكن فيه نيتفليكس. ولم يكن فيه الإنسان يعيش. ويشاهد. نفس الشيء. في الوقت نفسه. على عكس أبنائنا. الذين ولدوا في عالم يختلط فيه الواقعي بالافتراضي. عالم. ومهما كنت في الهامش. فأنت في قلبه. رغما عنك. ولذلك فالمشكلة هنا تتعلق بنا نحن الكبار. نتيجة المسافة البعيدة التي تفصلنا عن أولادنا. ونتيجة جهلنا التام بما يقع حولنا. و بالتغير الذي وقع. و بما يفكر فيه المراهقون المغاربة. وكيف يفكرون. وكيف ينظرون إلى العالم. وكم نحن بعيدون عن بعضنا البعض. ورغم أننا نعيش في نفس البيت. ونفس المغرب. فإننا ننتمي إلى عالمين مختلفين. وليس من حقنا. نحن الكبار. أن نلوم أولادنا. ولسنا بالضرورة على حق. وليس موقفنا هو الصحيح. وليست نظرتنا إلى اللباس. وإلى اللغة المستعملة. هي النظرة الصحيحة. وليس ذنب هؤلاء المراهقين أننا لم نتكيف. ولم نستوعب حجم التحول. ولا بعد المسافة التي تفصل بيننا وبينهم. فنحن قادمون من الماضي وهم يعيشون في عالمهم. وفي الحاضر. الجديد. والمختلف. ومهما حاولنا أن نفرض عليهم ما نراه صوابا. وأخلاقا. و مهما حاولنا أن نعود بهم إلى ما قبل المواعدة العمياء. فلن ننجح في ذلك. ولن ينتج عن ذلك سوى الاستبداد والتضييق عليهم والتحقيق معهم بسبب تنورة قصيرة. تقول صاحبتها إنها شورت. وبسبب كلبة. وأحذية. وبسبب لعبة و بسبب تحولات سريعة. و بسبب بعد المسافة التي تفصل بيننا. بدت لنا إخلالا بالحياء. وفضيحة. لكن من الأعمى من لا يرى ما. ومن. حوله وهل نحن أم هؤلاء الأولاد.