قرأت في أحد المواقع الالكترونية ما مفاده أن الأستاذ محمد الناجي، قد حذر في إحدى مقالاته رئيس الحكومة من الحمل المفرط للسّبْحَة والظهور بها كثيراً أمام الجميع لأن ذلك ينطوي على مخاطر سياسية، داعياً إياه بالكف عن وضع السبحة في يده بشكل غير محسوب. و قد أثارت استغرابي طريقة تناول الموضوع التي تنم عن سطحية وسوء فهم لأني كنت قد قرأت الصيغة الفرنسية للمقال، واستنبطت منها ما هو أعمق من التدخل البسيط في سلوك ومظهر الأشخاص، لا يمكن أن يصدر عن باحث متمكن في التاريخ والسوسيولوجيا، تشهد عن ذلك كتاباته ذات الصيت الدولي. فقررت أن أرد تفاديا للمغالطة وتجنبا للترويج الخاطئ لمضمون المقال، خاصة بالنظر للتفاوت الواضح بين الصيغتين العربية والفرنسية، فالنزاهة الفكرية والجدية العلمية تقتضيان التعامل مع روح النص و ليس الوقوف عند "ويل للمصلين".
أما المقال الأصلي الذي كتبه الأستاذ محمد الناجي بالفرنسية فلم يتعرض مطلقا، في تصوري، لحمل السبحة كسلوك أو طقس ديني معتاد بل ذهب إلى رمزية و دلالات هذا الفعل، مشيرا إلى أنه إذا كان حمل السبحة يرمز في أذهان الناس إلى نوع من الورع و الصلاح، فإنه ربط هذا الفعل بضرورة الالتزام مذكرا على أن التسبيح في اللغة يعكس السرعة في الأداء. وقد نبش الكاتب في أصل كلمة التسبيح في اللغة حيث يعرف "السبيح" عند العرب بالحصان المتمرس الأنيق الذي ينطلق في السباق بسرعة ولا يخذل مناصريه.
كما ربط الكاتب فعل التسبيح، الذي يقوم على إحصاء حبات السبحة بالحرص على نزاهة الحسابات و الأرقام و الوزن بالقسط مستشهدا بالقرآن الكريم. ويحسب لكاتب المقال، في نظري، إخراج الدين من قوقعة الطقوس والشعائر لإبرازه جانبه البراغماتي المرتبط بحسن الأداء و القدرة على الوفاء بالوعود و اقتران القول بالفعل.