يبدو أنه شهر للبكاء هذا الذي نعيشه حتى الآن. دفنا المختار الزياني, الصحافي في الاتحاد الاشتراكي, ثم استفقنا على خبر رحيل عبد النبي الجيراري, وفاجأنا خبر زكريا الزروالي الصادم, ثم أسلم مصطفى سلامات روح الفن إلى باريها, تاركا في الحلق المغربي غصة فعلية وحزنا على رجل خاص من نوعه, أمضى سنوات العمر بحثا عن مكان للفن المسرحي في البلد, مؤمنا أنه من الممكن له كشيخ من شيوخ التمثيل والقول المبدع أن يعثر على بعض من موطئ قدم تحت الشمس لهذا العشق المسمى مسرحا, لكنه ويوم الرحيل استفاق على الإحساس الممض الشهير الذي يرافق أغلبية أهل هذا الميدان بأن الكثير من الوقت قد ضاع سدى والسلام. سلامات كان فنانا غير كل الفنانين. في صورته الأخيرة التي ستحتفظ بها العين المغربية الجماعية يوم استقدمه زميلنا عتيق بنشيكر إلى دوزيم من أجل إعادة مساره آخر مرة, سنتذكر شهادات العديدين وهم يقولون إن الرجل لم يكن عاديا نهائيا. سنتذكر أساسا أننا رأينا الطيب الصديقي متأثرا بالفعل, هو الذي ينجح عادة في إخفاء مشاعره ويلح على أن يبدو قادرا على السمو فوق ضعف اللحظات الإنسانية. يوم كان الكل يتحدثون عن سلامات في القناة الثانية, كان الصديقي _ رفيق العمر والخشبة _ أعجز من أن يداري خوفه من أن يكون كل كلامه تلك الليلة آخر الكلام. لا, بل إنه كان يعرف, اعتمادا على نبوءة الأطباء القاسية, أن مصطفى يعيش آخر الهنيهات. غير أنه أصر على لوك الكلام مثل الآخرين الذين أتوا إلى بلاتو القناة الثانية التي حاولت جاهدة إلقاء القبض على تلك السويعات الأخيرة من حياة الرجل. وكذلك كان. قال الناس ماقالوه. أطفأت الكاميرا أضواءها. عاد سلامات إلى منزله وإلى العلاج القاتل الذي كان يستحث الخطى به نحو القبر. رأيته بعدها آخر مرة, يدخل بصعوبة شديدة إلى مقر جمعية الأعمال اللائكية, حيث كان الفنان مامون صلاج يقدم تكريما نادرا للغاية لدوفوس. اقتعد سلامات مكانا خلفيا أسفل القاعة, شاهد قليلا من دوفوس وهو يعود إلى الحياة على يد مامون. عندما شعر بالتعب, غادر القاعة, وفي نفسه شيء من دوفوس, ومن مامون, ومن الحياة ككل. تلك كانت آخر اللقطات بالنسبة لنا التي رأينا فيها سلامات واقفا على رجليه, مع تلك الصورة الدالة له على شاشة القناة الأولى وهو يردد زجلا حفظه منذ القديم عن سيدي عبد الرحمان المجذوب"هاكدا قضى ربي وقدر وكتب على عبيدو, ماعليك أعبدي إلا تصبر, ويلا ماصبر آش يكون بيدو". قالها سلامات بكل تسليم الكون وهو يعلم علم اليقين أن الزمن أصبحت ساعاته معدودة وأن مصارعته أمر مستحيل تماما. معه وبه نتذكر الساعات الأولى للمسرح في المغرب. نتذكر بدايات البدايات. نتذكر اللحظات التي كان المغاربة يحجون فيها أفواجا لمشاهدة الأعمال المسرحية, قبل أن يصبح المسرح لعبة دعم سخيفة للغبة, لاتطرب أحدا, ولا تثير شهية أي كان للمشاهدة أو التتبع. به ومعه نتكر أن المغاربة قادرون على التمييز بين الجيد الفعلي وبين "العيان" الذي تتاح لفرصة الظهور الإعلامي على حساب الحقيقيين. االيوم في المغرب لم يعد ممكنا أن تقول إن الفنان الأصلي أو الأصيل (الأمر سيان) هو ذلك الذي يحظى بكل إمكانيات الظهور الكبير في الواجهة. العكس أصبح هو القاعدة. وأناس لانعرف مدى علاقتهم بالفن أصبحوا قادرين على تصدر المشهد الفني, وعلى الحديث باسمه. لذلك وحين استضافت دوزيم سلامات في مساره الأخير, كان حريصا على شيء أساسي قبل وبعد كل الأشياء: أن يتحدث أقل قدر ممكن لأنه كان يعلم _ رحمه الله _ أن لاكلام ينفع, وأن المشهد الفني الذي صنعه العديدون بأرواحهم وأجسادهم, أصبح اليوم مشهدا مستباحا من الممكن أن تلجه دون استئذان, ويكفيك أن تجد السبل "اللائقة والملائمة" لكي تعرف من أين تلتهم الكتف فيه لكي تصبح واحدا من علاماته وإن دون استحقاق. مرض سلامات ووفاته يشبهان إلى حد بعيد مرض ووفاة العديد من الحقيقيين في هذا المجال. نكتشف حين مرضهم أنهم كانوا يخفون خلف الصورة البراقة التي تبدو لنا في الواجهة حياة بسيطة للغاية, قوامها بضعة دراهم لاتصلح لشيء, وأناس مقربون يحبونهم, وجمهور كبير يعشقهم لكنه لايعرف عنهم شيئا, وتفاصيل أخرى يصرون على سترها وعدم إشراك الناس فيها لإحساسهم أن لاجدوى ولا فائدة لهذا الإشراك. هم يعتبرون أن أهم مايربطهم بالناس أن يقدموا فنهم وأن يمضوا بعدها. لذلك هم أصلاء, ولذلك هم باقون. ربما عانوا كثيرا في حياتهم. ربما رحلوا وسيرحلون في ظروف سيئة للغاية, لكنهم هم من سيبقون في الختام. الآخرون, الكاذبون الذين يتصدرون المشهد دون وجه حق, لن يتذكرهم أحد في الختام. تلك هي جملتنا التي نقولها باستمرار...على سبيل العزاء لا على أي سبيل آخر. الله يرحمك آسلامات, والله يرحم هاد الميدان معاك ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق ونحن نتابع صراع اليساريين الضاري والحضاري في فرنسا لنيل ثقة شعب اليسار من أجل تمثيله في الانتخابات القادمة نتساءل _ على سبيل التساؤل لاغير _ عن الحزب المغربي الذي لجأ لقواعده من أجل التعرف على المرشحين المفضلين لهذه القواعد. لايوجد نهائيا. الناس لدينا تفرض على قواعدها مرشحيها ورؤوس لوائحها, وتضع الإبن والأخ والمقرب وذا المال في الواجهة, حتى وإن لم يكن على علاقة طيبة بالناس تشفع له يوم الانتخابات. وفي الختام يتساءلون "علاش حزب مامسوقينش هو حزب الأغلبية في هذا البلد؟" راه باينة علاش آلمساخيط هذا العمود ينشر في "كود" باتفاق مع الكاتب