منذ استقلال المغرب إلى بداية الستينات كانت الدارالبيضاء تسير من طرف العسكر، إذ أن كل العمال الذين تعاقبوا عليها آنذاك كانوا ينتمون لسلالة الجيش بحيث كان العامل إما جنيرالا أو كولونيلا. وإذا كان لجوء السلطة العمومية إلى السلالة العسكرية لتسيير الدارالبيضاء مرتبط بحدة الصراع بين القصر والمعارضة اليسارية آنذاك والخوف من أن تنزلق الأمور نحو المجهول، خاصة وأن الدارالبيضاء تنتج نصف الثروة الوطنية وتحتضن الميناء العسكري الرئيسي والمطار الرئيسي للبلاد ومعظم الوحدات الإنتاجية والمعاهد الجامعية إلخ... فإن الحاجة اليوم إلى الاستعانة بخدمات وخبرات الجيش لإنقاذ الدارالبيضاء من مخالب التدبير العشوائي وتمكينها من مقومات المدينة تقتضي فتح نقاش عمومي وعلني صريح خاصة بعد أن فشلت النخب المدنية سواء المنتخبة أو المعينة في الحفاظ على الحد الأدنى من أبجديات التدبير. فالدارالبيضاء التي تمططت شمالا وجنوبا وفتحت فيها مناطق التعمير في كل المناطق وانتفخت حظيرة السيارات بها لم تشهد بالمقابل وضع برامج مواكبة في النقل والتنقل.
فالطرق المحورية المبرمجة لم تنفذ مثلا الطريق رقم 50 الرابطة بين سيدي مسعود وسيدي مومن مرورا بالشيشان والتي من شأنها أن تنقص الضغط على الطريق السيار الحضري. والطريق الدائري الرابط بين دار بوعزة والمدار الجنوبي لم تنجز والتي من شأنها تخفيف السير على وسط المدينة وضمان الترابط بين الجنوب والشمال الشرقي للدار البيضاء. وبدالات الأوطوروت الرابطة بين الشوارع الرئيسية والمدار الجنوبي لم تنفذ هي الأخرى مما يخلق الضغط على بعض الملتقيات كعبد المومن و2 مارس ومرجان كاليفورنيا وشارع محمد السادس.
وشبكة السكك الحديدية لم تصاحب الانفجار العمراني والاقتصادي بالدارالبيضاء إذ لا توجد شبكة سككية حضرية تربط بين الأقطاب المحدثة بأولاد عزوز ودار بوعزة وبوسكورة والنواصر وتيط مليل الذي كان مقررا أن يخرج إلى الوجود تم إقباره.PERوالهراويين وناتة. وحتى الخط الجهوي السريع
شركة نقل المدينة أثبتت بدورها أنها سليلة «الوكالة المستقلة» بالنظر إلى أن «مدينة بيس» لم تأت بقيمة مضافة في النقل الحضري، إذ مازال القطاع بئيسا والخدمات حقيرة والأسطول ضعيف جدا ولا يغطي الضواحي بعضها ببعض، والدليل هو ذاك الجحيم اليومي الذي يصلى بناره المواطن كل يوم.
السلطة المنظمة للتنقلات التي خلقتها الدولة لم تقدم أي جديد ولم يلمس المواطن أي تحسن في مرفق النقل والتنقل بدليل هذه الحرب اليومية بين الطاكسيات والطوبيسات واليوم أضيف لها الترامواي بدون تنسيق وبدون تخطيط وتوجيه.
الشرطة بدل أن تحارب الجريمة وتخلق الأمن والاطمئنان لدى المواطن أضحت تتعرض لعملية تفريغ كبرى بالنظر إلى أن ربع رجال الأمن بالدارالبيضاء تم تعيينهم في قطاع المرور وهي نسبة لا توجد حتى في الدول الطاعنة في التخلف (بوتسوانا والنيجر مثلا) لأن البوليسي تم تكوينه ليحارب المجرمين وليس ليقف قرب عمود الإشارة الضوئية ليردد «هاهو بايطفا، ها هو بايشعل ».
الجماعة الحضرية همشت 350 مهندس مدني ومعماري وعمراني وأسندت اغتيال الدارالبيضاء لمكتب كارثية زادت من عذابات مستعملي الطريق أكثر(GIRATOIRE) دراسات لم يفلح سوى في اقتراح مدارات مما خففت عنهم المعاناة. أبعد كل هذا السرد لا يحق المناداة على الجيش لتدبير الدارالبيضاء؟
ففرنسا نادت على وزير وكلفته بتدبير باريز فقط، وهو ما يبين نضج المسؤولين الفرنسيين الذين يعون خطورة معاملة باريز مثل مدينة صغيرة. إن المهمة المستعجلة – في نظري – هي استدعاء فرق الهندسة العسكرية المغربية وتكليفها بحل مشكل التنقل بالدارالبيضاء خاصة وأن هذه الفرقة تضم خيرة المهندسين الذين لهم سوابق إيجابية عديدة في حل معضلة الربط بين المدن وفي الكوارث وفي الحدود ( مثلا الحزام الأمني بالصحراء +حريق لاسامير+ الفيضانات الأخيرة التي عزلت عدة مدن إلخ...).