في كيبوتس كفار عزة على بعد كيلومترين من قطاع غزة، ستّة أكياس موتى فيها جثث إسرائيليين، وجثث مقاتلين فلسطينيين هاجموا المكان... آثار عملية تحولت الى مجزرة، وفق مسؤولين عسكريين أفادوا عن مقتل مئة مدني. ووصل عناصر حركة حماس إلى هذا التجمّع السكاني الزراعي بسرعة حيث السيارات والبيوت متواضعة ما يعكس انعدام الرخاء بين سكانها. ويمكن رؤية هذا التجمّع بالعين المجردة من قطاع غزة. كانت سحب الدخان تتصاعد الثلاثاء من المكان نتيجةً للقصف الاسرائيلي على القطاع القريب رداً على هجوم حركة حماس، كما شاهد صحافيون في فرانس برس. كان الشعور بالتهديد جزءاً من يوميات سكان هذا الكيبوتس الذي استقرّ سكانه فيه مدفوعين سواء بالعقيدة للحفاظ على وجود إسرائيلي قريب من الأراضي الفلسطينية، أو لأن تكلفة المعيشة فيه أقلّ، لا سيما بعد أن انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في العام 2005. ولا تقارن ضربات الصواريخ المتكررة على هذا التجمّع بما شهده يوم السبت، إذ شكّلت درجة العنف صدمة حتى للجنود الإسرائيليين الذين تمكّنوا ليل الاثنين الثلاثاء من استعادة السيطرة على المكان، بعد أيام من القتال مع مقاتلي حركة حماس. وقال الجنرال الركن المتقاعد إيتي فيروب "حين انتشلنا جثث المدنيين والأطفال، فكّرت بالجنرال أيزنهاور، بعدما شاهد معسكرات الموت في أوروبا". في كفار عزة، رائحة موت، من جثث مقاتلي حماس المعروفة من خلال ستراتهم السوداء المضادة للرصاص، منها ما بدأ يتورّم بفعل مرور الوقت، الى جثث سكان كان يستكمل نقلها الثلاثاء من المكان. في جزء من التجمّع مخصّص للشباب، جدران المنازل الصغيرة مكسوة باللون الأسود. ويروي الضابط الإسرائيلي عومر باراك البالغ من العمر 24 عاماً أن الفلسطينيين قاموا "بإحراقها لإرغام سكانها على الخروج"، وبعد ذلك إطلاق النار عليهم. ويضيف "لكن كثيرين فضّلوا الموت محترقين، ربما مختنقين من الدخان، بدلاً من أن يقتلهم الإرهابيون". ويقول "وجدنا الكثير من الجثث داخل المنازل". وقال باراك الذي قاتل ليومين من أجل استعادة السيطرة على كفار عزة إنه شعر "بالرعب" حين تمّت استعادة المكان. ويضيف "لم أرَ في حياتي أسوأ من ذلك. انهرت حين رأيت جثتي طفلين". في مكان آخر، جثّة مقاتل فلسطيني قطعت إلى نصفين، قرب ملاجئ بيضاء احتمى فيها السكان، وعلى نوافذ بعضها آثار انفجار. ويقول إيتي فيروب "ألقى الإرهابيون قنابل في الداخل. لم ينجُ أحد". في المكان أيضا ثلاث دراجات هوائية صغيرة مركونة الى جانب جثث إسرائيليين، ودراجة نارية مدمّرة، وخوذة صغيرة باللون الوردي وضعت بعناية على طاولة، هيكل شاحنة محترقة بجوار صومعة حبوب، وبقايا طائرة شراعية استخدمها المهاجمون... وبحسب الجنرال فيروب، هاجم "سبعون إرهابياً مسلحاً ومدرباً" كفار عزة صباح السبت الساعة 06,30 من أجل ارتكاب "مجزرة، كارثة". وبحسب العديد من المسؤولين العسكريين الإسرائيليين الذين تحدثت معهم فرانس برس، قتل أكثر من 100 مدني، بينما يتحدث آخرون عن 150. ويقول أحد جنود الاحتياط "حتى الآن، لا أصدّق ما أرى. عادةً، هذه صور نراها من أوكرانيا، أو نتيجة عمل لتنظيم الدولة الإسلامية". ويقول مدير شركة قدم من تل أبيب من أجل الدعم في استعادة السيطرة على كفار عزة وتجمّعات سكانية أخرى محيطة بها، لفرانس برس إنه تظاهر "كل سبت" في الأشهر الأخيرة ضدّ الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي تريده حكومة بنيامين نتانياهو، لأنه كان يرى فيه أيضا عائقاً أمام تطبيع العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية. لكن هجوم السبت أحبطه تماماً. ويروي هذا الجندي الاحتياطي "أردت السلام، إنه الحل الوحيد"، مضيفاً "لكن لا يمكن المسالمة مع حماس". وفيما كان جنود يغادرون الكيبوتس الثلاثاء، كانت رشقات الصواريخ الفلسطينية التي تعترضها "القبة الحديدية" للجيش الإسرائيلي تتوالى، وكذلك صوت القذائف المدفعية الإسرائيلية نحو قطاع غزة. على بعد كيلومترات من الكيبوتس، تتقدّم قوّة عسكرية إسرائيلية كبيرة نحو محيط غزة. ويقول الجنرال فيروب إن حماس "هاجمت المدنيين. ولم نكن مستعدين"، مضيفاً "سيدفعون ثمن ذلك".