لأننا استثناء في كل شيء كان لا بد أن نرفق دستورنا المبجل بوجبة دسمة من قصائد الحب في الديمقراطية وحرية التعبير ، لأننا مغاربة لنا خصوصياتنا كان لا بد من توابل تعطي لطعامنا نكهة لا تقاوم ، كان لا بد للجنة المنوني أن تعد دستورا قيل أنه وضع ليكون أكثر ملاءمة للعصر وأن يتابع صحفي مغربي بالقانون الجنائي من أجل تهم عجز المنجمون والمنظرون عن فهمها ، كل هذا فقط لأننا استثناء ليس لنا بين أقراننا مثيل ولا يضاهينا في ديمقراطيتنا وتفردها أحد . في غمرة التطبيل والتزمير لدستور لم نشاهد منه سوى العناوين الكبرى يتجرع الوسط الإعلامي المغربي مرارة الحكم بالسجن النافذ على صحفي في صمت مطبق ، يصدر الحكم ليكتب السطور الأولى لدستور معدل ، ليجيب عن أسئلة الشارع ويستجيب لمطالب الشعب ، الشعب يريد تحرير الإعلام ... هل حررتم يا ترى الإعلام بسجن رشيد نيني ؟ هل أقمتم شرع الله أو الدنيا أم طبقتم الدستور القديم أم الجديد ؟ بالله عليكم فليتنازل ابن حلال من بينكم وليشرح لنا بالطبشورة على السبورة فلازلنا تلاميذا في مدرسة هذا المغرب الاستثنائي ، فليكتب لنا أسباب نزول الإعتقال ودواعي المتابعة وفقا للقانون الجنائي عوض قانون الصحافة الذي اجتهدوا في تنقيحه وإخراجه فهذا الشعب الذي قسمه عمود نيني بين متفق ومختلف يستحق أن يعرف ، الشعب البسيط يشغل أجهزة الإنذار لأنه لا يفهم معنى " تحقير مقرر قضائي " " تبليغ السلطات بجرائم يعلم بعدم حدوثها " ... ، ما يريد معرفته هو لماذا اتشح عموده بالسواد منذ شهر و يزيد ؟ الشعب يريد فهم ماهية الاستثناء المغربي .....
ولأننا أيضا فريدون من نوعنا فإننا حددنا أجندة كل شيء مسبقا وافترضنا اقتناعا أم معرفة أن هذا الدستور سيلقى القبول بالإجماع لذلك فقد حددنا موعد الانتخابات المبكرة وتفاصيل مشاريع الغرام الديمقراطي المقبل ، حددنا استفتاء في الأسبوع الأول لشهر يوليوز ونحن نقترب من منتصف يونيو ولا زال الدستور حبيس كنانيش لجنة المنوني وحتى الدكاكين السياسية التي أتقنت اللعبة وكانت تسمع الكلام وتدون الملاحظات التي يلقنها الأستاذ في لجنة المتابعة لم تتوصل بالنسخ الكاملة للدستور وتم الاكتفاء بعرض الأسطر الغليظة للدستور التاريخي ، ولم تمنح هذه الدكاكين فرصة عرض مسودة الدستور على هياكلها قصد التشاور وإبداء الرأي قبل أي تنقيح ممكن كما يقتضي أضعف الإيمان أو حتى تستحق المسرحية الثمن المدفوع لمشاهدتها لكنه مخرج فاشل على ما يبدوا لا يجيد التقديرات الفنية ولا التجارية أم ربما الخطأ خطأنا و لم نوفق في اختيار ما نشاهده .
ولأننا استثناء أيضا ، يحمل الجميع ذات المشروع ، المغرب الجديد الخالي من الشوائب ومن الفساد والاستبداد ، الجميع يصاب بعدوى الثورية المتأخرة تماما كالمراهقة المتأخرة ، ويتفرغ كل لتمجيد تاريخه ورواية بطولاته وصراعه الدائم مع المخزن والدوائر العليا ، فذاك ليبرالي يدعي خوضه حروبا وهمية كدون كيشوت حالم وهذا اشتراكي يتغنى بزعامة بائسة وذلك إسلامي يتحدث عن الإمامة العظمى وكلهم يحملون لواء التغيير ، كلهم يريدون إسقاط الفساد .. فجأة استيقظوا ليذكرونا أنهم كانوا هنا منذ أمد ، كانوا يدافعون عن الشعب وعن مقدراته ويحمونه بقدرة السوبيرمان من الفاسدين والانتهازيين .. لكن لا عجب فهو استثناء مغربي الصنع .
في المغرب وحده تستطيع أن تخرج في مظاهرة عفوية ( وليست منظمة ) تطالب بمغرب أفضل من دون أن ترى علما مغربيا واحدا وهنا عتبي على رجالات حركة 20 فبراير وشبابها فالعلم المغربي لا يضرنا في شيء فليخرج إلى جانب العلم الأمازيغي وعلم الحركة الأسود ، في المغرب وحده أيضا نصفق على الخطابات دون أن نفهم مغزاها ولا معناها .. علينا فقط أن نصفق ، في المغرب وحده يمكننا أن نشكل حكومة بنسبة مشاركة لا تتجاوز العشرين بالمائة ، في المغرب أيضا يجيب الوزير في البرلمان عن سؤال متعلق باختصاصه بأنه لا يعرف وليس له علم ، كل ذلك وأكثر .
من الرومنسي أن يكون وطننا استثناءا ، استثناءا في شكل الانتقال إلى دولة جديدة ديمقراطية عوض دولة مخزنية ، فرادة في شكل التعبير السلمي عن المطالب الجماهيرية الملحة ... لكن ليس من الاستثناء في شيء أن نمعن في الارتجال والتمييع الذي يغيب الحقيقة ويسرح في عالم التناقض .. ليس من الاستثناء في شيء أن نعد دستورا ضريرا لا يتوخى سوى الخروج من المأزق بأقل الخسائر ثم يستفتى فيه الشعب كتحصيل حاصل .. هذا ليس استثناء بل تكريسا ترقيعيا لنفس الإنتاجات الرديئة السابقة وبالتالي لن نكون قد أصبنا الهدف وحققنا التميز المغربي ، التميز الحقيقي والتحدي الأكبر أن نطرح هذا الدستور باتفاقنا معه واختلافنا معه للنقاش العمومي وأن نمنح مؤيديه ومعارضيه على حد السواء وبالتساوي فرصة خوض التعبئة الإعلامية على شاشات التلفزيون العمومي الرسمي المغربي ، هذا هو الاستثناء المغربي الحقيقي أن تتحلوا بالشجاعة وتفتحوا قنواتكم للذين يرفضون الدستور ليعبروا عن ذلك علانية وتفرجوا عن الصحفيين الذين وضعتموهم خلف القضبان .. وإلا سيكون استثناءكم وهما كبيرا إلى أن يثبت العكس .