منذ تحيين أنماط التدريس و طرق تدبيره مع الألفية الجديدة تحت تأطير الميثاق الوطني للتربية و التكوين،خرجت إلى العلن و بإلحاح شديد التزامات حديثة تربط مدرسة الوضع الراهن بمتطلبات الآن و المستقبل،بمعنى أخر تعاقدات أخلاقية و مهنية و تربوية أبرمتها تلقائيا المدرسة مع المجتمع المتعطش للمواطن الوطني،للكفاءات و الأطر و الخبرات،فهل أوفت المدرسة الحالية بهذه الالتزامات ؟ نكون عدميين إن قلنا قطعا لا،لكن مع ذلك فالأهداف المبرمجة لم تعرف جلّها الأجرأة نظرا لعدة تحديات و إكراهات بعضها مادي و أخر معنوي...بالرغم من تعدد محاولات التعبئة للنهوض بالمدرسة المغربية و إعادة الاعتبار و الثقة لها، و في تشخيص لواقع المدرسة الحالي و باختصار نرى أنها : مازالت في سياق تقديم تعليم نمطي إن لم نقل تقليدي،لا تتصف باستغلال منطقي للموارد البشرية و المادية،تفعّل الأنشطة التربوية و الثقافية و الرياضية... بشكل مشتت وليس بانسجام في برنامج شامل و متكامل يتلاءم و الأهداف العامة للمنهاج التربوي،منغلقة على نفسها و غير منفتحة على البيئة الخارجية،الغرق فيما هو كمي و إحصائي...،فالسياسات التي اشتغلت في إطار نجدة المدرسة وإخراجها من المأزق قد فشلت في المنتهى و أخرى حُكم عليها بالأمر عينه حتى قبل نزولها و تفعيلها،لكن هنالك غيرها أثار نوعا من الجاذبية و أظهر شجاعة،نتحدث عن سياسة اللاتمركز في تدبير الشؤون الخاصة للمدرسة و هو تفويض نوعي يُطلق النار على نمطية البيروقراطية الطويلة،التي مع الأسف عرقلت محاولات التطوير و أجهضت أحلام المكلفين بالإدارة التربوية،الحاملين لرغبات التغيير و الإبداع،فكان ضروريا تغيير الشكل البسيط و المختزل تحت اسم { المدرسة}،إلى اسم أعلى أكثر وزنا { المؤسسة}،تعم فيها بشكل لافت ثقافة المسؤولية و المحاسبة،حيث هنالك دفتر تحملات يتم وضعه بمقاربة تعاونية تكاملية أكثر مما هي سلطوية فوقية،يرسم الحدود الدنيا للتعلم و الأبعاد المستقبلية للفرد و يوضح التوقعات الحقيقية بعد سنوات التمدرس،حيث كذلك تترسخ ثقافة المشروع لدى فريق العمل إداريا و تربويا،فالبرنامج العام لاشتغال المؤسسة لا ينطلق من فراغ بل هو عصارة دراسة حقيقية و تخطيط قبلي يتم إنزاله وفق خصائص المحيط و بيئة الاحتضان،يحدد بوضوح ماهية المؤسسة و ما لها من قدرة على تحقيق أهدافها و إدماج التغييرات الجديدة في برنامج اشتغالها،...و بالموازاة مع هذه المتطلبات عملت الوزارة على تطوير و تحديث نمط العمل الإداري عبر برامج PAGESM،MASIRH، ...للرفع من القدرات التدبيرية للمديرين و ضبط مختلف أنشطة المدرسة؛إجمالا هناك تحسن في المقاربات المعتمدة في تدبير الشأن التربوي،بداية بالرؤية الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتعليم مرورا بالتدابير ذات الأولوية كإجراءات تقنية،لكن تفعيلها و تنزيلها على أرض الواقع يتطلب أكثر من إعلان النوايا و الرغبات،بل يتطلب بشكل صريح إشراك كل الفاعلين،كذلك الانكباب على تجميع أرائهم بخصوص القضايا التربوية الكبرى بهدف توحيد الرؤى و تقاسم التصورات،كونهم المعنيون المباشرون و على أرضيتهم تستقر قاطرات الإصلاح،نضيف أن تحفيز الفاعلين ماديا و معنويا،ثم دفعهم لإنجاز بحوث حول القضايا التربوية،سيمكن حتما من إيجاد حلول جذرية لتجاوز المعضلات و العثرات التي تعوق نجاح العملية التعليمية التعلمية؛هناك تجارب حديثة تروم الاستفادة من القدرات المهارية و المهنية للممارسين التربويين. و في الآن نفسه الرفع منها عبر اتفاقيات الشراكة مع القطاع الخاص و فعاليات المجتمع المدني،و لا ننسى أن تبادل الخبرات و التجارب بين الأطراف التشاركية،هو أكثر أهمية من الجوانب المادية،إذ يعزز جوانب التواصل و كذلك تشجيع تبني المشاريع التعليمية و تقوية جوانب الابتكار و الإبداع،لذا فإخراج المدرسة المغربية من قوقعة الانغلاق مع مأسسة أنشطتها،و دفع المجتمع للنهوض بها هو حق أزلي للناشئة و لكل الأجيال المتعاقبة،المطالبة بتعليم جيد و بتنشئة اجتماعية سليمة.