بعد زوال يوم الثلاثاء 26 أبريل 2016، تواصلت الأنشطة الثقافية بمعرض الكتاب ساحة السراغنة بعدد من الأنشطة الثقافية، وكانت البداية مع ثلاثة أوراق تتصل بموضوع (الكتابة الجدارية وحرية التعبير). حيث اعتبر عبد الجليل أنوار هذه الكتابة نصا يوميا ينكتب بعجالة وبتلقائية في نفس الآن على جسد الفضاء العمومي، وهي ظاهرة تعبر عن انشغالات أصحابها بما يعتمل داخل المجتمع المغربي، وإن كانت تثير حفيظة البعض الذي يعتبرها ظاهرة سلبية، كما ذهب إلى ذلك صاحب الورقة الثانية المهدي أيت بعراب الذي اعتبر أن كتابات الجماهير الرياضية (التراس) لا تخلو من عنف رمزي، وكذا من بعض الأبعاد العنصرية التي تشعل فتيل الصراع بين الشباب، والذي قد يتخد شكلا دمويا. أما محمد فالح فقد ربط بين الكتابة الجدارية وبين تلك الرغبة الدفينة في الإنسان إلى التعبير، حيث الكتابة تصبح استعادة للحق في الكلام. وخصصت الجلسة الثانية لقراءات قصصية قدمها ثلة من القصاصين الشباب، الذين غاصوا في عمق المجتمع المغربي من خلال عناوين تتداخل فيها التيمات بالقضايا : "عصافير الجنة" و"الظل والمتشرد" (يوسف يتيم)، و"شموع باردة" (نادية أوان)، و"مونولوغ شيخة" و"حلم" (مهدي أيت بعراب). وقد كانت قصيدة القطيب التناني "الحب الإلهي" خاتمة هذه الجلسة القراءات التي تجاور فيها الشعر بالقصة. الجلسة الثالثة صدحت فيها القصة بصوت يغوي المسامع بعد أن عاد التسيير فيها للقاص أنيس الرافعي، الذي قدم في بدايتها القاص علي أزحاف، باعتباره صوتا قصصيا واعدا، آتيا من جغرافيا بيضاء (تطوان)، يخط من نسغها عوالم قصصية يجمعها تحت عنوان "نخب البحر"، ليقدم هذا النخب السردي للقارئ المغربي في شكل محكيات تحتفي بالعين (البعد البصري)، في حين ركزت كلمة الناقد محمد يوب على العوالم السردية في هذه المجموعة القصصية المتصلة، زمانيا، بتسعينيات القرن الماضي. لكن الزمن المتخيل يربك هذا الزمن الوقائعي، أما الشخصيات فيها فهي شخصيات انكسارية، دونجوانية، تعيش العبث على المستويين النفسي والاجتماعي، وتعبر عن فوضى الشباب المحتفي بالحياة حد الجنون. إضافة إلى أن اللغة القصصية في هذه المجموعة لم تفقد شعريتها المتناغمة مع الإحساس بالتذمر من منطق المواضعات العاقلة، يجسده الاحتماء بوعي قصصي يمتزج فيه الألم بالمتعة. وقد أشار الناقد عمر العسري، في بداية مداخلته إلى ذلك التناغم على مستوى الوعي بالكتابة بين القصاص وبين الناقد البشير القمري في تقديمه للمجموعة. إن هذه الأخيرة تنسج فرادتها من خلال التوازن الكمي والنوعي بين نصوصها (11 قصة).إذ كتبت بلغة مباشرة، وذات نفس سردي واحد، دون أن تفقد طاقتها التخييلية. إضافة إلى تداخل الخطابين: الذاتي والموضوعي فيها. ناهيك عن تعبيرها عن أزمة الفرد في واقع يغذي الإحساس بخيار العبث والفوضى. مما يمنح تلك النصوص طابعا وجوديا إلى جانب طابعها الأيروسي، أنه واقع يزرع الشك والحيرة والقلق في نفسية الفرد. أما الورقة الثالثة فقد قدمها عز الدين بوركة الذي أنجز قراءة لديوان على أزحاف "ترانيم بوذا الصغير"، معتبرا أن القصيدة هنا قصيدة كريستالية جاءت شفافة، متقشفة، يطبعها الاختزال والتكثيف، عبر لغة شعرية تحتفي بترانيم بوذية صوفية تقف على حافة التوحد الوجودي. مسك الختام في هذا المشهد الثقافي العمومي والمفتوح كان للقاص والناقد والباحث محمود الرحبي (عمان)، الذي اعتبره أنيس الرافعي ساردا للطبيعة الميتة، التي يزرع فيها المبدع الحياة عبر فعل الحكي. إذ قدم محمود الرحبي تقييما لتجربة علي أزحاف الشعرية والقصصية، معتبرا إياها معبرة عن الواقعية الإبداعية، فالشخصيات في قصص "نخب البحر" تجسد الضياع في عالم يغتال المعنى. بعدها قرأ نصا من مجموعته القصصية (مرعى النجوم).