يجلس القرفصاء أمام منزل طيني متهرئ الجوانب؛ أعمدة حجرية و خشبية أكل عليها الدهر ؛ كلبه الأعور ...ضلوعه يمكنك معرفة عددها من شدة الجوع و الهرم ؛ قطط تتسابق نحو قمامة سمك رمتها برفق حدومة ؛ الزوجة الثانية ؛ بينما تسمع سعال الأخرى التي استهل بها حياته ؛ و هي تكح من سعال جاف بدواخل البيت...... هدير رافعات كبيرة بجوانب الفضاء تملأه صخبا و صداعا ؛ عمال وجوههم تنقع حمرة من شدة الصقيع و إنزال كبير لجحافل من شاحنات الحاج كبور صاحب ورشة مجاورة .....و صداع الرأس لا تخمده سوى لفافات سيجارة سوداء رخيصة يرتشفها الجيلالي بحمق و كأنه يتلذذ عظم كتف خروف العيد ....أم أنه يتلذذ مرارة الزمن المنسي وسط أكوام من دروب و براريك القرية الصغيرة المنسية هي الأخرى محاذية للنهر الكبير الذي يشق سهل تادلا إلى نصفين .... " لو لم أكن تادلويا ....لكنت من باريس أو روما أو أي نقميرة كحلا ....على كل حال ..." همهم الجيلالي مع نفسه مراقبا المجال .... ها هي ذي عربة الفيراري السوداء قادمة..... تترنح بطء نحو الجيلالي ...هوذا الحاج كبور ....إنه بلا شك عائد لمساومته من جديد في بيع الأرض الوحيدة بجنب ورشته ...تلك الهكتارات الموروثة عن الجدود الذين أفنوا عرق عمرهم في الحرث و الدرس و التوالد,,,,, أيام كان للتراب عزه ....قبل مجيء سنوات القحط ثمانينيات القرن الماضي ....كلما رأى صاحبنا الحاج كبور تبدأ العصافير بالرقص داخل رأسه .... ينادي حدومة : " هاذا ولد العرجة ...السلكوط ...جاي عاود ثاني يطمعني بخنز الدنيا نبيع ليه تريكت بوي ..." مبتسمة و هي تلمع إناء اشترته من نشال القمامة بدراهم معدودة : " نتا عي خليه يكول اللي بغا ....دخل كلامو من أذن و خرجو من الأخرى ...." يترنح الجيلالي فوق فراش قديم مشعلا لفافة جديدة ؛ مرتشفا شايا باردا يميل للسواد .... تتكوم حول برادفوق صينية نحاسية أصيلة .... دبابات,,,, و نحلة واحدة ....ناظرا إلى حقوله الممتدة على طول البصر متنهدا ....لعله يقول هامسا بدواخله .... الله ينعل بو الوقت و الزلط و الجفاف الذي جعل شباب العائلة يظطرون لهجرة القرية نحو كازا و الرباط و القنيطرة بحتا عن شقاء العرق ....لم لا تأتي الأمطار و تعود اللقالق طائرة لأعشاشها و دفئها ؟ لماذا البحث عن زلط بعيد ؟ ....في دروب منسية و براريك قصديرية بأحياء الهامش المديني ....و جعل من هذا ولد العرجة ....كانت خماسة عند بوي.... يتبرع علينا بفلوس الغبرة البيضاء التي يتاجر فيها أولاده و حفدته .... الحاج كبور لعله قرأ قسمات وجه صاحب الأرض .....صاحب الحق .....حياه بخوف داخلي ... و مرمرور اللئام .... ولسان حال الجيلالي و حدومة و التي تسعل بالداخل يردد : " أنا و كل ما حولي لسنا للبيع " . سوق السبت في : 15 دجنبر 2015 م